من أروع ما في كلمة معروف أن الفطر السليمة تعرفه ومن أروع ما
تعنيه كلمة المنكر أن الفطر السليمة تنكره ما دام قلبك ينكر المنكر
على سجيته من دون تعليم ، ما دام قلبك ينكر المنكر على سجيته
فهذه نعمة كبرى ، وما دام قلبك يعرف المعروف على سجيته فهذا
عمل عظيم ، يعني قلبك سليم يعني قلبك لم يشوه يعني فطرتك سليمة
لم تطمس مادمت تعرف المعروف معروفاً وتنكر المنكر إنكاراً ، لكن
كما حدثنا النبي عليه الصلاة والسلام قال :
من هنا أخطر حالة يعيشها المسلمون اليوم أن المنكر معروف
والمعروف منكر ومن أدق الأدعية :
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا
اجتنابه ، هذا القلب مهبط تجليات الله كان هذا القلب ممتلئاً بنور الله
لأن الطاعة تملأ القلب نوراً ، من علامات المعصية أنها تذهب النور
من الوجه والقلب فهذا القلب كالكوز مجخياً لما مال إلى الدنيا خرج
منه نور الله عز وجل ، الآن ما صفات هذا القلب ؟
) لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا(
يقول لك عادي باللغة الدارجة الفتاة جلست بأبهى زينتها أمام صديق
زوجها يقول لك عادي ، ممكن أن تفعل المرأة كل شيء عادي ،
ممكن أن تلتقي بأي إنسان عادي ، ممكن أن تأكل كل شيء عادي ،
) لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا(
الآن علامة المؤمن أن الذنب عند المؤمن كالجبل جاثمٍ على صدره
علامة المنافق أن ذنبه كالذبابة أمام أنفه ، الآن الذنب كلما صغر في
عين الإنسان كبر عند الله قال تعالى :
} وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ {
وكلما كبر عند الإنسان صغر عند الله ، العلاقة بين رؤيتك للذنب
وبين حجم الذنب عند الله علاقة عكسية يعظم الذنب عندك يصغر عند
الله ، يصغر عندك يكبر عند الله لهذا قيل :
لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار .
) وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا
وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ)
} أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ{
في سفر بعيد التقيت مع أخ طيب له ابن قال لي هذا الابن أهلكني
يا بابا حرام واي حرام ، يا بابا هذا عيب واي عيب ، هذا كالكوز
مجخياً ، انتهى ، الحقيقة علامة إيمانك علاقتك بالذنب من هنا قال
عليه الصلاة والسلام لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ، هل معنى هذا
الحديث أن نسارع إلى الذنب ؟
( والذي نفسي بيدِه ! لو لم تذنبوا لذهب اللهُ بكم ، ولجاء بقومٍ يذنبون ،
فيستغفرون اللهَ ، فيغفرُ لهم )
الراوي : أبو هريرة – المحدث : مسلم
المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم : 2749
مستحيل وألف مستحيل ، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وأتى بقوم
يذنبون ، يعني لو لم تذنبوا ، يعني لو لم تحسوا بذنوبكم ، فلان لعله
مات يأتي الطبيب يضع يده على النبض يقول ما في نبض أبداً معناها
مات في علامة ثانية يأتي بمرآة يضعها أمام أنفه ما في بخار ماء
أبداً معنى هذا أنه ميت في علامة ثالثة يأتي بمصباح شديد ويضعه
على بؤبؤ العين ما تقلصت يقول لهم عظم الله أجركم ، هذا ميت .
والحقيقة الإنسان إذا ما أنكر منكراً ولا أمر بالمعروف ما تأثر بمنكر
فعل الذنب ولم يتأثر انتهى عند الله عز وجل ، هذا معنى لو لم تذنبوا
لذهب الله بكم وأتى بقوم يذنبون معنى يذنبون إذا أذنبوا يبكون
يستغفرون يصححون أخطاءهم ، نعيد الحديث مرة أخيرة .
عن حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
) تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا
نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ
حَتَّىتَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ
مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا
لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ)
ولاحظت ملاحظة أن الإنسان إذا أقام إقامة دائمةً مع المتفلتين مع
العصاة مع المذنبين كلما مضى أسبوع يقبل معصية لهم ويهضمها
وفي النهاية يفعلها وفي النهاية يدافع عنها وفي النهاية يأمر بها ،
يقبلها يستحسنها يعذرهم بهذا يفعلها معهم يدافع عن نفسه إذا اتهم
ثم يأمر بها لذلك قال تعالى :
} وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا{
لذلك من أقام مع المشركين برأت منه ذمة الله . لأنهم ينقلونك إلى
سلوك ليس إسلامياً ولا تألفه أنت .
هذا الحديث لعله ينطبق على المسلمين اليوم أشد الانطباق وما لم
يبادروا إلى بيوتهم أو مساجدهم وما لم يلزموا دروس العلم وما لم
تشحن نفوسهم شحنة روحية عالية لن يستطيعوا مقاومة الفتن التي
في هذا الزمان ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً
ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من
لفضيلة الشيخ / محمد النابلسي