المعاملة المتميزة التي تشد الإنسان للدين هي أهم ما في السلوك
الحقيقة الدقيقة أن الذي يشدك إلى الدين فضلاً عن أنه قدم لك
تفسيراً عميقاً دقيقاً ، متناسقاً للكون ، والحياة ، والإنسان ،
أن الذي يشدك إلى الدين معاملة الله لك .
لذلك هذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن
( أنا عندَ ظنِّ عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكَرَنِي ، فإن ذَكَرَنِي في
نفسِه ذكرتُه في نفسي ، وإن ذكَرَنِي في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٌ
منهم ، وإن تقرَّبَ إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا ، وإن تقرَّبَ إليَّ
ذراعًا تقرَّبتُ إليه باعًا ، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرْولةً )
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]
لمجرد أن تتخذ قراراً بالصلح مع الله ، بالإقبال على الله ، بطاعة
الله ، بتقديم ما تملك في سبيل الله ترى معاملة تفوق حدّ الخيال .
لذلك هنيئاً لمن عرف الله ، هنيئاً لمن عامله ، هنيئاً لمن خطب
وده ، حفظ الله لك أحد نتائج الإقبال على الله ،
الله عز وجل حفيظ ، ويحفظ المؤمن من كل مكروه ، من كل شيء
} فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا {
( سورة الطور الآية : 48 )
هذه الآية فيما يبدو موجهة للنبي عليه الصلاة والسلام ، ولكن
آية موجهة إلى النبي عليه الصلاة والسلام هي في الحقيقية
موجهة لكل مؤمن بقدر إيمانه وإخلاصه واستقامته .
أحد أكبر نتائج الإيمان أن الله مع الإنسان يحفظه و يسدد خطاه :
أيها الأخوة ، أنت متى تحافظ على استقامتك ؟
أنت متى تسعى للحفاظ على ما أنت فيه ؟ حينما تصل من خلال
الدين إلى شيء ثمين ، الذي وصل من خلال الدين إلى شيء ثمين
ذاق طعم القرب ، ذاق طعم الحب ، ذاق طعم الإقبال على الله ، ذاق
طعم أن يكون الله معك ، هذه النتائج الباهرة التي يحصها الإنسان
هي التي تحمله على طاعة الله .
إنسان دُعي إلى طعام ، وجلس على الطاولة ، لكنه لم يأكل لسبب
أو لآخر، فإذا دُعي ثانية زهد في هذا الطعام ، لأنه ما أكله ، وما
ذاقه ، أما إذا ذاق الطعام النفيس الذي قُدم له ، إذا دُعي ثانية
فالإنسان حينما يصلي صلاة شكلية ، وحينما يصوم صياماً شكلياً،
وحينما يؤدي العبادات أداء شكلياً لأنه ليس مستقيماً على أمر الله،
يزهد في الدين ، لا يبالي أصلى أم لم يصلِ ، لا يبالي أأطاع الله
أم لم يطعه ، لأنه محجوب بالمعاصي ، محجوب بالعيوب ،
محجوب بالذنوب ، أما إذا أخلص الصدق مع الله ، أما إذا أطاع
الله ، أما إذا أقبل على الله يصل إلى نتائج ، عندئذٍ يحافظ عليها ،
يحافظ عليها فيحفظه الله ، لابدّ من أن تقدم شيئاً ، أن يتوهم
الإنسان أنه بإمكانه أن يأخذ كل شيء ، من دون أن يقدم شيئاً ،
هذا سذاجة في الإنسان وغباء فيه ، لابد من أن تقدم شيئاً ، هذا
الذي تقدمه طاعة الله عز وجل .
} وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً {
أنت متى تحافظ على ما أنت فيه ؟
إذا وصلت إلى شيء نفيس أحد أكبر نتائج الإيمان أن الله معك ،
أن الله قريب منك ، أن الله يحفظك ، أن الله يؤيدك ، أن الله يسعدك
بطولة الإنسان لا أن يصل إلى القمة بل أن يبقى فيها :
الآن أيها الأخوة ، كلكم يعلم أن بلوغ القمة شيء يحتاج إلى جهد
كبير، لكن البطولة لا أن تصل إلى القمة أن تبقى فيها ، أناس
كثيرون في ساعة من ساعات الإقبال على الله يتألقون ، ثم لا
يتابعون سيرهم إلى الله ، عندئذٍ يتراجعون ، هذا الوضع الذي
يتكرر أحياناً يقبل ثم يدبر ، يتألق ثم يخبو ، يتحرك ثم يسكن ،
هذا الوضع لا يرضي الله عز وجل .
( أحبَّ الأعمال إلى الله أدْوَمُها وإنْ قلَّ )
[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك
فلذلك دقق في هذه الكلمة :
ليست البطولة أن تصل إلى القمة ، البطولة أن تبقى فيها ،
أنت حينما تحافظ على هذه الصلة من أن تنقطع ، أنت حينما
تحافظ على هذا التوثيق من أن ينقطع ، أنت حينما تحافظ على هذا
التأييد من أن يلغى تكون قد بلغت القمة وحافظت عليها .
أسباب حفظ الله للإنسان هي طاعته والتوكل عليه والاستقامة
أيها الأخوة ، نحن في عالم الدنيا إنسان أحياناً يصل إلى منصب
رفيع ، يبذل جهداً كبيراً للحفاظ عليه ، حينما يصل إلى دخل كبير
يبذل جهداً كبيراً للحفاظ عليه ، هذا شيء من طبيعة الإنسان ،
ولكن الحقيقة الدقيقة في هذا اللقاء الطيب أنك لن تحافظ على ما
أنت فيه لأسباب أرضية ، بل لأسباب علوية ،
إنسان معه أموال طائلة ، يضع الأقفال ، يوثق ، يسجل ، يقدم كل
سبب للحفاظ على هذا المال لكن إن لم يكن مستقيماً على أمر الله ،
الله عز وجل يحبط له كل هذه المساعي ،
الله عز وجل لا يجدي معه أن تكون معه ذكياً ، يؤتى الحذر من
مأمنه ، يحفظك لا بأسباب أرضية ، بل بأسباب علوية ، أنت حينما
تكون مستقيماً يحفظك ، أنت ينبغي أن تأخذ بالأسباب ولكن حفظ
الله عز وجل لا يكون بالأخذ بالأسباب وحدها ، لابدّ من أن تأخذ
بأسباب أرادها الله عز وجل أن تأخذ بها .
أنت حينما تستقيم ، حينما تتوكل ، حينما لا تسمح لدخلك أن يكون
فيه شبهة ، حينما تصل إلى مكاسب كبيرة ، عندئذٍ تسعى للحفاظ
عليها لا بأسباب أرضية فقط ، بل بأسباب علوية هي طاعة الله ،
والتوكل عليه ، والاستقامة على أمره ، والإخلاص له .
امتحان الله عز وجل للإنسان من أصعب الامتحانات :
أيها الأخوة، الله عز وجل يقول :
} وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ {
يعني الله عز وجل يمتحن الإنسان، من أصعب الامتحانات، أحياناً
تغلق أمام الإنسان كل الأبواب المشروعة ، يفتح له باباً غير
مشروع ، ضعيف النفس يقول :
ماذا أفعل ؟ أنا مضطر ، طرق كسب الحلال مغلقة ، في طريق
سهل للكسب الحرام ، هنا الامتحان الصعب ، فحينما ترى أن
الأبواب كلها موصدة أمامك ، و هناك باب واحد لا يرضي الله
مفتوح على مصراعيه اعلم أنك أمام امتحان صعب ، ينبغي أن
} وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً {
والله أيها الأخوة ، لو لم يكن في القرآن الكريم إلا هذه الآية لكفت،
} وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً {
كن عن همومك معرضا وكلِ الهموم إلى القضا
وابشر بخــير عاجل تنسى به ما قـد مضى
فلرب أمـر مسخــط لك في عواقبه رضــا
ولربما ضاق المضيق ولربما اتسع الـفضــا
الله يفــعل ما يشاء فلا تـــــــــكن معترضا
الله عودك الــجميل فقس على ما قــــــــد مضى
} وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً {