المؤمن الصادق لو أن كل أبواب الحلال مغلقة باب الحرام مفتوح
} إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ {
فحينما يعلم الله منه هذا الورع ، وهذا الحرص على طاعة الله ،
يفتح له الأبواب المشروعة على مصارعها ،أنا أقول أي إنسان
يعاني من ضائقة ، من ضائقة مادية ، من مشكلة صحية ، من
مشكلة اجتماعية ، من مشكلة في العمل ، من مشكلة في البيت ،
} وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً {
وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .
قانون العناية الإلهية يحمي الإنسان من المشكلات و ينال رضوان
أيها الأخوة ، كل بلد له خصوصية ، كل مجتمع له خصوصية ،
الخصوصية يعني من حركة الحياة تستنبط حقائق ، قد تكون غير
مشروعة ، أي بلد له خصوصية ، أو بتعبير آخر له تركيبة
خاصة ، فمن حركة الحياة تستنبط قواعد ، هذه القواعد إن فعلت
كذا ، إن لم تفعل كذا ، غضب الناس عليك ، وإذا غضب الناس
عليك أتعبوك ، هذه القواعد في معظمها قد تكون غير صحيحة ،
وتتناقض مع منهج الله عز وجل .
لما إنسان يواجه مشكلة فإذا أراد حلّها وفق القواعد المستنبطة
من حركة الحياة قد لا ينجح عند الله ، قد يسقط ، أما إذا طبق
منهج الله ، ولم يعبأ بهذه القواعد هناك حكمة بالغة بالغة يخضعه
الله لقانون لا يعلمه ، هذا القانون هو قانون العناية الإلهية فينجو
من هذه المشكلات ، وينال رضوان الله عز وجل .
أحياناً تجد إنساناً يقول يجب أن أفعل هذا حتى أنجو ، هذا الفعل لا
يرضي الله عز وجل ، فالذي لا يعبأ بمنهج الله ، يطبق القواعد
المستنبطة من حركة الحياة ، ظناً منه أنها تنجيه هي لا تنجيه ،
لكن حينما يصر على طاعة الله ، يصر على منهج الله ، أحياناً
طبيعة الحياة تقتضي أن تفعل كذا ، من أجل أن تنجو ، من أجل أن
تسلم ، من أجل أن يقوى مركزك ، وقد يكون هذا الفعل لا يرضي
الله ، فالمؤمن من حرصه على طاعة الله ، وحرصه على إرضائه،
لا ينفذ هذه القاعدة ، فيبدو أنه دمر نفسه ، لكن الله سبحانه
وتعالى يخضعه لقانون لا يعرفه هو قانون العناية الإلهية فيزداد
إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الل ه.
ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه :
كن مع الله تـــــرى الله واترك الكل وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنعه ثـم من يعطي إذا ما منعك
الحقيقة التي لابدّ منها في موضوع الحفظ :
الله متى يحفظك ؟ ورد في بعض الأحاديث أنه :
( ما ترَك عبدٌ شيئًا لا يترُكُه إلَّا للَّهِ إلَّا عوَّضَه اللَّهُ منهُ ما هوَ خيرٌ
هذه القاعدة قاعدة ذهبية كما يقولون ، قانون .
تركت هذا المنصب لله ، تركت هذه الصفقة الكبيرة لأن فيها
شبهة ، تركت هذا المكسب الكبير لأنه فيه شبهة ، تركت هذا
العمل لأن الله لا يرضى عنه .
أنا أتكلم الآن عن أسباب حفظ الله لك ، الله " الحفيظ " متى
يحفظك ؟ حينما تدع شيئاً لله ، في صفقة كبيرة أرباحها طائلة ،
لكن البضاعة محرمة ، أو طريقة التعامل محرمة
} إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ {
يركلها بقدمه ، فالله عز وجل يكافئه على هذا الموقف البطولي
بعطاء كبير في الدنيا قبل الآخرة .
هناك فلاح أُعطي عشرون دنم من أراضي إنسان أُخذت منه
غصباً بسبب أو بآخر ، هذا الفلاح له شيخ ، سعى إليه والفرحة
تملأ نفسه ، عاش كل عمره فقيراً الآن أصبح يملك عشرين دنم ،
أرض زراعية ، كاد يطير فرحاً ،
يا بني هذا المال مغتصب ، ولا يجوز أن تأخذه ، كل هذا التألق ،
هذا مال حرام لا تأخذه ، فلما رآه قد علته الكآبة ،
يا بني اذهب لصاحب الأرض ، لعله يبيعها لك تقسيطاً ، افعل ،
حاول هذه المحاولة ، وذهب إليه ،
أنا أُعطيت عشرين دنم من أرضك ، ولي شيخ قال لي :
إن أخذها حرام ، هل تبيعني إياها بالتقسيط ؟
يا بني أنا أُخذ مني أربعمئة دنم ، ولم يأتِ أحد إلا أنت ، هذه هدية
زوال الكون أهون على الله من أن تدع شيئاً من أجله ثم يضيعك .
الله عز وجل هو الوحيد معك ومع أهلك في وقت واحد :
الآن أنت مسافر ، ماشي ، أهلك في بلد آخر ، في بلدك الأصلي ،
يا ترى أثناء غيابك في مشكلة ، في حادث ، في مرض شديد ،
في إنسان اعتدى عليهم ، ابنك بالطريق أصابه مكروه ، في قلق
دائم ، فالنبي عليه الصلاة والسلام علمنا هذا الدعاء :
(( اللهم أنت الرفيق في السفر، والخليفة في الأهل والمال والولد ))
أي لا يوجد جهة بالكون هي معك ومع أهلك في وقت واحد .
ولازلنا في حفظ الله لهذا الإنسان ، الدعاء المشهور الذي كان
( اللَّهمَّ اقسِم لَنا من خشيتِكَ ما يَحولُ بينَنا وبينَ معاصيكَ ، ومن
طاعتِكَ ما تبلِّغُنا بِهِ جنَّتَكَ ، ومنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَينا مُصيباتِ
الدُّنيا ، ومتِّعنا بأسماعِنا وأبصارِنا وقوَّتنا ما أحييتَنا ،
واجعَلهُ الوارثَ منَّا ، واجعَل ثأرَنا على من ظلمَنا ، وانصُرنا علَى
من عادانا ، ولا تجعَل مُصيبتَنا في دينِنا ، ولا تجعلِ الدُّنيا أَكْبرَ
همِّنا ولا مبلغَ عِلمِنا ، ولا تسلِّط علَينا مَن لا يرحَمُنا )
الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني –
المصدر : صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم : 3502
هذا الدعاء من أدعية النبي التي كان يكثر الدعاء بها .
أيها الأخوة الكرام ، الآن لابدّ من حقيقة دقيقة :
أنه من اعتمد على نفسه أوكله الله إياها ، أنت بين كلمتين ،
إما أن تقول أنا ، وإما أن تقول الله ، إن قلت أنا تخلى الله عنك
وإذا قلت الله تولاك ، أي أنت بين التولي والتخلي ، تقول أنا معي
اختصاص ، معي شهادة عليا ، أنا من أسرة فلانية ، أنا عندي
خبرات متراكمة ، أنا حجمي المالي كبير ، إذا قلت أنا تخلى الله
عنك ، فإذا قلت الله تولاك الله ، أنت بين التولي والتخلي .
الله حفيظ لا يخفى عليه شيء فبطولة الإنسان أن يصفي قلبه
آخر شيء أيها الأخوة ، من تطبيقات هذا الاسم أن الله حفيظ
بمعنى لا يخفى عليه شيء ، فالبطولة أن تصفي قلبك من كل
ما منظر الله عز وجل ؟ قلب المؤمن ، طهر قلبك من كل حقد ،
من كل احتيال ، من كل كراهية .
الله حفيظ ، يحفظ عباده ، وأنت كمؤمن اشتق من هذا الكمال كمالاً
تقرب به إلى الله ، احفظ من حولك ، أحفظ أولادك ، أحفظ دينهم ،
أحفظ عقيدتهم ، أحفظ عباداتهم ، أحفظ دراستهم ، احفظهم بكل ما
تملك حتى الله عز وجل يكرمك بحفظهم بعد موتك .
أيها الأخوة الكرام ، هذا الاسم من ألصق الأسماء الحسنى
بحاجات الإنسان ، ألا تتمنى أن يحفظك الله ؟
[ أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عباس ]