( ممَا جَاءَ فِي : التَّسْعِيرِ )
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ
عَنْ قَتَادَةَ وَ ثَابِتٌ وَ حُمَيْدٌ رضى الله تعالى عنهم أجمعين
عَنْ أَنَسٍ رضى الله تعالى عنه قَالَ
[ غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا
فَقَالَ عليه الصلاة و السلام
( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ
وَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ
يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَ لَا مَالٍ )
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ : ( غَلَا السِّعْرُ )
بِكَسْرِ السِّينِ ، وَ هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ نرخ أَيْ : ارْتَفَعَ السِّعْرُ
( سَعِّرْ لَنَا ) أَمْرٌ مِنَ التَّسْعِيرِ - تعريفه - ،
وَهُوَ أَنْ يَأْمُرَ السُّلْطَانُ ، أَوْ نُوَّابُهُ ، أَوْ كُلُّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ
أَمْرَ أَهْلِ السُّوقِ أَنْ لَا يَبِيعُوا أَمْتِعَتَهُمْ إِلَّا بِسِعْرِ كَذَا
فَيَمْنَعَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ ، أَوْ النُّقْصَانِ لِمَصْلَحَةٍ
( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ ) بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ الْمَكْسُورَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ : أَيْ :
إِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُرَخِّصُ الْأَشْيَاءَ وَيُغْلِيهَا ؛ فَلَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ ،
ولِذَلِكَ لَا يَجُوزُ التَّسْعِيرُ . انْتَهَى
( الْقَابِضُ الْبَاسِطُ ) أَيْ : مُضَيِّقُ الرِّزْقِ ، وَغَيْرِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ كَيْفَ شَاءَ وَمُوَسِّعُهُ
( وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ مَصْدَرُ ظَلَمَ
وَاسْمُ مَا أُخِذَ مِنْكَ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَهُوَ بِكَسْرِ لَامٍ وَفَتْحِهَا ، وَقَدْ يُنْكَرُ الْفَتْحُ . انْتَهَى ،
وقَدْ اسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ ، وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا عَلَى تَحْرِيمِ التَّسْعِيرِ وَأَنَّهُ مَظْلِمَةٌ
وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ ، والتَّسْعِيرُ حَجْرٌ عَلَيْهِمْ ،
والْإِمَامُ مَأْمُورٌ بِرِعَايَةِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ ،
وَلَيْسَ نَظَرُهُ فِي مَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي بِرُخْصِ الثَّمَنِ أَوْلَى مِنْ نَظَرِهِ
فِي مَصْلَحَةِ الْبَائِعِ بِتَوفِيرِ الثَّمَنِ ،
وَإِذَا تَقَابَلَ الْأَمْرَانِ وَجَبَ تَمْكِينُ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الِاجْتِهَادِ لِأَنْفُسِهِمْ
وَإِلْزَامِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يَبِيعَ بِمَا لَا يَرْضَى بِهِ مُنَافٍ
{ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ }
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، ورُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ التَّسْعِيرُ ،
وأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَالَةِ الْغَلَاءِ ،
وَلَا حَالَةِ الرُّخْصِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْلُوبِ ، وَغَيْرِهِ وَإِلَى ذَلِكَ مَالَ الْجُمْهُورُ ،
وفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ جَوَازُ التَّسْعِيرِ فِي حَالَةِ الْغَلَاءِ ،
وظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا كَانَ قُوتًا لِلْآدَمِيِّ وَلِغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ ،
وَبَيْنَ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْإِدَامَاتِ وَسَائِرِ الْأَمْتِعَةِ .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ،وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو يَعْلَى،وَالْبَزَّارُ،
قَالَ الْحَافِظُ : وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ،
وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَعِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبُو دَاوُدَ
قَالَ أبو هريرة رضى الله تعالى عنه
[ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ .
فَقَالَ عليه الصلاة و السلام :
( بَلِ ادْعُوا اللَّهَ ) ،
ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ .
فَقَالَ عليه الصلاة و السلام :
( بَلِ اللَّهُ يَخْفِضُ وَ يَرْفَعُ ) ]
قَالَ الْحَافِظُ : وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ ، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ
وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَحَسَّنَهُ الْحَافِظُ وَعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ الْبَزَّارِ نَحْوُهُ
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الصَّغِيرِ ،
وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ فِي الْكَبِيرِ ، كَذَا فِي النَّيْلِ .
اللهم صلى و سلم و بارك علي عبدك و رسولك
سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .