علامة المؤمن أنه قلق من ألا يكون في المستوى المطلوب للإيمان :
قضيتك مع الله قضية كبيرة, علامة المؤمن أنه قلق, عنده قلق دائم,
هذا قلق مقدس, أما بعد أن عرف الله,
فيقلقه ألا يكون في المستوى المطلوب.
يقولون: سيدنا رسول الله حجب عنه الوحي أسبوعين تقريباً
فقال: يا عائشة, لعلها تمرة أكلتها من تمر الصدقة.
مرة رأى على السرير تمرة أكلها, يبدو أنه كان جائعاً, حجب عنه الوحي
أسبوعين, فقال: يا عائشة, لعلها تمرة أكلتها من تمر الصدقة.
تجد المؤمن مستحيل أن يدخل عليه قرشاً حراماً؛ ورعه مذهل,
ورعه يفوق حدّ الخيال, وهذا فيما بينه وبين الله, لا يدعي هذا الورع
أمام الناس, ولا يظهره لئلا يقع في الرياء, لكن فعلاً أمانة ما بعدها أمانة،
انظر الآن إلى حياتنا لو كنا نتعامل مع بعضنا بعضاً بهذه الأمانة,
لانعدمت المشاكل؛ و لأصبحت الأمور كلها دقيقة ومنضبطة,
وليس هناك شيء يذهب جزافاً, وكلما ضعف الإيمان؛ دخلنا في الشك,
ودخلنا في المحاسبة, ودخلنا في أكل المال الباطل,
ودخلنا في شبهات ما بعدها شبهات.
من ترك الحرام وزهد في الدنيا وصل إلى الحكمة الحقيقية:
أيها الأخوة, من ترك الحرام, وزهد في الدنيا, وصل إلى الحكمة الحقيقية,
الذي يحجبك عن الحكمة الدنيا, فإذا نزعتها من قلبك, وبقيت في يديك،
فقد كسبت الدنيا و الآخرة.
أنا لا أقبل, ولا أرى في القرآن والسنة, أن تترك الدنيا كلياً,
وأن تكون عالة على الآخرين, وأن تكون عبئاً على الآخرين,
وأن تكون عبئاً على من حولك, وأن تعيش متكففاً, لا,
اليد العليا خير من اليد السفلى؛ ولكن لو شخص سألني عن الضابط,
لقلت له: نسمي هذا يحب الدنيا, هذا يحب الآخرة.
حينما تحملك الدنيا على ترك واجب ديني, أو ترك فريضة,
أو ترك طلب علم, أو ترك عمل صالح, فهذا من الدنيا,
وحينما توفق بين طاعة الله عز وجل, وبين أداء فرائضه,
وبين القيام بواجبات هذا الدين العظيم, وأنت في عملك, فهذا انضباط,
فالجمع بين واجبات الدنيا ومتطلبات الآخرة دليل أن الدين بيديك,
أما حينما تحملك الدنيا على معصية, أو على ترك فريضة,
أو على ترك واجب, فقد استحوذت على القلب, وانتقلت من اليد إلى القلب.
الآية الكريمة التالية دقيقة جداً في هذا؛ ممكن أن تكون تاجراً موفقاً جداً,
ممكن أن تكون تاجراً كبيراً, لكن الضابط:
{ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ
يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَار }
من علامات الذي يجمع بين الزهد في الدنيا وأن تكون الدنيا في يديه,
من علامات هذا الإنسان هو أن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار,
وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل.
الإنسان الحق يعطي كل ذي حقٍّ حقه :
ذكرت في خطبة الجمعة أن الإنسان له مقام, وله ظرف, وله زمن يظله,
فالإنسان الحق يعبد الله فيما أقامه, في الظرف الذي وضعه فيه,
من غير المعقول أن يغسل الإنسان سيارته عند الفجر، الفجر للعبادة,
فوقت الفجر والسحر للصلاة والذكر.
من غير المعقول الإنسان وهو مع أهله يذكر الله، هم ينتظرونك؛
يجب أن تؤنسهم, أن تحادثهم، إن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار,
وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل.
أيها الأخوة الكرام, أعط كل ذي حق حقه, واعبد الله العبادة
الأشياء التي يتمتع بها أصحاب الحكمة :
قال: لا تكونوا من أصحاب الحكمة, إلا بثلاثة أشياء: ألا تحب الدنيا,
لأنها ليست داراً للمؤمنين, -دقق في هذه الآية-:
{ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }
{ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً }
الشيء الأول: ألا تحب الدنيا؛ لأنها ليست داراً للمؤمنين,
وألا تصاحب أهل الدنيا, فإنهم ليسوا برفقاء المؤمنين,
{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }
لفضيلة الشيخ : محمد النابلسي
في الله اخوكم ,, مصطفى الحمد