نماذج في الكَرَم و الجُود و السَّخاء و البذل
نماذج مِن كرم العرب وجودهم في العصر الجاهلي :
لقد كان الكَرَم مِن أبرز الصِّفات في العصر الجاهلي بل كانوا يتباهون بالكَرَم
والجُود والسَّخاء، ورفعوا مِن مكانة الكَرَم وكانوا يصفون بالكَرَم عظماء
القوم واشتهر بعض العرب بهذه الصِّفة الحميدة حتى صار مضربًا للمثل
ونذكر بعض النَّماذج مِن هؤلاء الذين اشتهروا بفيض كرمهم
وسخاء نفوسهم، ومِن أولئك:
كان حاتم الطَّائي مِن أشهر مَن عُرِف عند العرب بالجُود والكَرَم
حتى صار مضرب المثل في ذلك .
[ أصابتنا سنة اقشعرَّت لها الأرض واغبرَّ أفق السَّماء وراحت الإبل
حدبًا حدابير وضنَّت المراضع عن أولادها فما تَبِضُّ بقطرة وجَلَّفَت
السَّنَة المال وأيقنَّا أنَّه الهلاك فو الله إنِّي لفي ليلة صَنْبر بعيدة ما بين
الطَّرفين، إذ تضاغى أصيبيتنا مِن الجوع، عبد الله وعدي وسَفَّانة،
فقام حاتم إلى الصبيَّين، وقمت إلى الصبيَّة، فو الله ما سكنوا إلَّا بعد هدأة
مِن اللَّيل ، ثمَّ ناموا ونمت أنا معه، وأقبل يعلِّلني بالحديث، فعرفت ما يريد
فتناومت، فلمَّا تهوَّرت النُّجوم إذا شيء قد رفع كِسْر البيت ،
فقال: مَن هذا؟ فولَّى ثمَّ عاد،
فقال: مَن هذا؟ فولَّى ثمَّ عاد في آخر اللَّيل،
فقالت: جارتك فلانة، أتيتك مِن عند أصيبية يتعاوون عواء الذِّئاب
مِن الجوع، فما وجدت معوَّلًا إلَّا عليك أبا عدي،
فقلت: مِن أين؟ قال: لا عليك
فقال: أعجليهم فقد أشبعك الله وإيَّاهم، فأقبلت المرأة تحمل ابنين
ويمشي جانبيها أربعة، كأنَّها نعامة حولها رئالها ، فقام إلى فرسه
فوجأ لبته بمديته، فخر، ثمَّ كشطه، ودفع المدية إلى المرأة،
فقال: شأنك (الآن)، فاجتمعنا على اللَّحم،
فقال: سوأة! أتأكلون دون الصِّرم؟!
ثمَّ جعل يأتيهم بيتًا بيتًا ويقول؛ هبُّوا أيُّها القوم، عليكم بالنَّار، فاجتمعوا،
والْتَفَع بثوبه ناحيةً ينظر إلينا، لا والله ما ذاق منه مُزْعَة ،
وإنَّه لأحوج إليه منَّا، فأصبحنا وما على الأرض مِن الفرس، إلَّا عظم أو حافر،
(فعذلته على ذلك)، فأنشأ حاتم يقول :
مــهـــلًا نــــوار أقــلِّـــي الــلَّـــوم والــعـــذلا
ولا تـقــولــي لــشــيء فـــات: مـــا فــعـــلا
ولا تــقــولــي لـــمـــال كـــنـــت مــهــلــكــه
مـهـلًا وإن كـنـت أعـطـي الـجـنَّ والـخَـبَـلا
يــرى الـبـخـيــل سـبــيــل الــمــال واحـــدة
إنَّ الــجَــوَاد يــــرى فــــي مــالـــه ســبـــلا
لا تـعـذلـيــنــي فـــي مــــال وصــلـــت بــــه
رحـمًـا وخـيـر سـبـيــل الـمــال مــا وصــلا
وقيل سأل رجل حاتمًا الطَّائي فقال:
[ يا حاتم هل غلبك أحدٌ في الكَرَم؟ قال: نعم، غلام يتيم مِن طيئ،
نزلت بفنائه وكان له عشرة أرؤس مِن الغنم، فعمد إلى رأس منها فذبحه
وأصلح مِن لحمه وقدَّم إليَّ وكان فيما قدَّم إليَّ الدِّماغ فتناولت منه فاستطبته
فخرج مِن بين يدي، وجعل يذبح رأسًا رأسًا، ويقدِّم إليَّ الدِّماغ وأنا لا أعلم
فلمَّا خرجت لأرحل نظرت حول بيته دمًا عظيمًا، وإذا هو قد ذبح الغنم بأسره
فقال: يا سبحان الله ! تستطيب شيئًا أملكه فأبخل عليك به، إنَّ ذلك لسُبَّة
على العرب قبيحة. قيل يا حاتم: فما الذي عوَّضته؟
قال: ثلاثمائة ناقة حمراء وخمسمائة رأس مِن الغنم، فقيل أنت إذًا أَكْرَم منه
فقال: بل هو أكرم، لأنَّه جاد بكلِّ ما يملكه، وإنَّما جُدت بقليل مِن كثير ]