(الحديث السادس عشر : لا تَغْضَبْ وَ لَكَ الجَنَّة)
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضي اللهُ عنه قال :
(أنَّ رَجُلاً قال لِلنَّبِّي صلى الله عليه و سلم :
قالَ : لا تَغْضَب ، فَرَدَّدَ مِرَاراً ، قال : لا تَغْضَب )
قيل : هو أبو الدرداء رضي الله عنه
و قيل جارية بن قُدَامة رضي الله عنه
اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لم يجلبه
كرر طلبه للوصية أكثر من مرة
المسلم إنسان يتصف بمكارم الأخلاق ، يتجمل بالحلم و الحياء ،
و يَلْبَس ثوب التواضع والتودد إلى الناس ، و تظهر عليه ملامح
الرجولة ، من الاحتمال وكف الأذى عن الناس ، و العفو عند المقدرة
و الصبر على الشدائد ، و كظم الغيظ إذا اعْتُدِيَ عليه أو أُثير ،
و طلاقة الوجه و البشر في كل حال من الأحوال .
و هذا ما وَجَّه إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك الصحابيَّ
المستنصِحَ ، عندما طلب منه أن يوصيه بما يبلغه المقصود و يحقق
بتلك العبارة الموجزة ، الجامعة لكل خير ، المانعة لكل شر :
أي تخلق بالأخلاق الرفيعة ، أخلاق النبوة ، أخلاق القرآن ،
أخلاق الإيمان ، فإنك إذا تخلقت بها و صارت لك عادة ، و أصبحت
فيك طبعاً و سجية ، اندفع عنك الغضب حين وجود أسبابه ،
و عرفت طريقك إلى مرضاة الله عز وجل وجنته .
الحلم و ضبط النفس سبيل الفوز و الرضوان :
إذا غلب الطبع البشري ، و ثارت فيك قوى الشر ، أيها المسلم
الباحث عن النجاة ، فإياك أن تعطي نفسك هواها ، وتدع الغضب
يتمكن منك فيكون الآمر و الناهي لك ، فترتكب ما نهاك الله عنه ،
بل جاهد نفسك على ترك مقتضى الغضب ،
و تذكر خُلُق المسلم التقي و المؤمن النقي ، الذي وصفك الله تعالى
{ وَ سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَ الْكَاظِمِينَ
الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
إذا لم يغضب المرء فقد ترك الشر كله ، ومن ترك الشر كله ،
سرعة الغضب و الانقياد له عنوان ضعف الإنسان ، ولو ملك
السواعد القوية ، و الجسم الصحيح . روى البخاري و مسلم :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( ليس الشديد بالصُّرَعَة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )
و الصرعة هو الذي يغلب الرجال و لا يغلبه الرجال .
الغضب خُلُقٌ مذموم وطبع سيء و سلاح فتاك ، إذا استسلم له
الإنسان وقع صريع آثاره السيئة ، التي تضر بالفرد نفسه أولاً ،
جسمية مادية ، و خلقية معنوية ، وروحية دينية .
فهو يولد الحقد في القلوب ، و إضمار السوء للناس ،
و هذا ربما أدى إلى إيذاء المسلمين و هجرهم .
أسباب الغضب كثيرة و متنوعة ، منها :
الكبر والتعالي والتفاخر على الناس ، و الهزأ و السخرية بالآخرين
و كثرة المزاح و لا سيما في غير حق ، و الجدل و التدخل فيما
و أما معالجة الغضب ، فيكون بأمور كثيرة أرشدنا إليها الإسلام ، منها :
1- أن يروض نفسه و يدربها على التحلي بمكارم الأخلاق ،
كالحلم و الصبر و التأني في التصرف و الحكم .
2- أن يضبط نفسه إذا أُغضب ويتذكر عاقبة الغضب ،
و فضل كظم الغيظ و العفو عن المسيء :
{ وَ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
روى أحمد عن النبي صلى الله عليه و سلم :
( وما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد ما كظمها
عبد لله إلا ملأ جوفه إيمانا )
3- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تعالى :
{ وَ إِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }