الأخ / مصطفى آل حمد
الحكمة والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين
من ثمرات الحكمة التي يؤتاها الإنسان حينما يستحقها لقوله تعالى:
{ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً }
قال ذو النون المصري لبعض تلاميذه, وهو يوصيه:
[ جالس من تكلمك صفته, ولا تجالس من يكلمك لسانه ]
هناك قال, وهناك حال. الإنسان حينما يخطب ود الله عز وجل له حال,
وحال إنسان صادق في ألف خير من ألف إنسان في واحد؛
أي: ألف رجل يتكلم بلا حال في واحد, لا يساوي إنسان له حال مع الله يتكلم
بألف؛ لأنك حينما تخطب ود الله عز وجل يلقي الله في قلبك نوراً,
إلا أن الحال مضبوط بالعلم.
الإنسان حينما يحقق هدفه يتألق, قد يكون الهدف خسيساً,
وقد تكون الوسيلة غير مشروعة, أما حينما يكون منضبطاً
بمنهج الله عز وجل, ويتصل بالله اتصالاً حقيقياً, الآن له حال,
هذا الحال أبلغ من ألف قال.
لذلك يقول هذا العارف بالله: جالس من تكلمك صفته, ولا تجالس من يكلمك
لسانه, فقيل: من هو؟ قال: هو الحكيم الصادق؛ موعظته رؤيته,
وآدابه أفعاله, وقد أغناك مشهده عن مخبره.
من يتصل بالله عز وجل يلقي في قلبه حالاً هذا الحال يؤثر في الناس :
الشيء الذي يلفت النظر أن أصحاب رسول الله, وهم قلة؛
ملؤوا الأرض حكمة, ملؤوا الأرض هداية, ملؤوا الأرض سعادة,
وتجد الآن مليار ومئتي مليون مقهورين, كلمتهم ليست هي العليا؛
لأن انتماءهم للدين شكلي, أما حينما تتصل بالله, يلقي الله في قلبك نوراً؛
فهذا تسميه: زخم نوري, تسميه: قوة تأثير.
لماذا الإنسان إذا التقى مع رسول الله يشعر أنه يطير من السعادة؟
قالوا: محمد سحر أصحابه بحال.
فحال إنسان في ألف خير من ألف لسان في واحد؛ كل إنسان بإمكانه
أن يتكلم بفضائل الأخلاق, أما ليس كل إنسان يعيشها, فالذي يعيشها له حال.
يقول بعضهم: الحكمة إذا خرجت من فم الحكيم, صعدت إلى السماء,
فصارت تحت العرش, ولها دوي كدوي النحل, تذكر صاحبها, وتثني عليه.
لذلك: الآية التي لا ننتبه إليها وقد نفهمها فهماً آخر:
{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ }
وأنت حينما تطبق, وحينما تتصل بالله عز وجل, يلقي ربك في قلبك حالاً,
هذا الحال هو الذي يؤثر في الناس:
{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ }
طبق من أجل أن تتصل, من أجل أن تتألق, من أجل أن تؤثر.
التأثير في الناس يتأتى من الاتصال بالله عز وجل و الاشتقاق منه :
فقد تجد إنساناً, معلوماته محدودة, ومتواضعة, لكن تأثيره كبير,
وقد تجد إنساناً معلوماته دائرة معارف, وتأثيره محدود؛ فالتأثير
لا يتأتى من فصاحة العبارة, ولا من كثرة الأفكار, ولا من دقة الشواهد,
ولا من عمق التحليل, التأثير يتأتى من اتصالك بالله عز وجل,
هذا الحال يعطي الكلام قوة تأثيرية عجيبة, أن تطبق ما تقول؛
إن طبقت ما تقول اتصلت بالله عز وجل, هذا الاتصال أصبح في كلامك
الآن: انظر إلى وردة بلاستيكية كبيرة, وحمراء, لا يوجد إنسان
وضع في بيته وردة بلاستيكية إلا بعد حين يمل منها, ويرميها,
أما ضع وردة حقيقية, ليس هناك مجال للموازنة بينهما؛
الوردة الحقيقية فيها حياة, فيها رائحة, فيها جمال, فيها قوة تأثير,
أما الوردة الصناعية فلا تؤثر.
فمهما كان في العبارة فصاحة, وفي الأفكار دقة, وفي التحليل عمق,
لا تؤثر؛ إلا إذا كان لك مع الله حال.
الذي يلقي الكلام على الناس, في أمس الحاجة إلى أن يكون له
سيدنا الصديق كان في الطريق, رأى حنظلة يبكي,
( فقالَ : ما لَكَ يا حَنظلةُ ؟ قالَ : نافَقَ حنظلةُ يا أبا بَكْرٍ ،
نَكونُ عندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ
كأنَّا رأيَ عينٍ ، فإذا رجَعنا إلى الأزواجِ والضَّيعةُ نسينا كثيرًا
قال فواللَّهِ إنَّا لكذلِكَ انطلِقْ بنا إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه و سلَّمَ
فانطلقْنا فلما رآهُ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ : ما لَكَ يا حنظلةُ ؟
قالَ : نافقَ حنظلةُ يا رسولَ اللَّهِ ، نَكونُ عندَكَ تُذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ
كأنَّا رأيَ عينٍ ، رجَعنا عافَسنا الأزواجَ والضَّيعةَ ونسينا كثيرًا ،
قالَ : فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : لَو تدومونَ على الحالِ
الَّتي تقومونَ بِها من عندي لصافحَتكمُ الملائِكَةُ في مجالسِكُم ،
وفي طرقِكُم ، وعلى فُرُشِكُم ، ولَكِن يا حنظلةُ ساعةً وساعةً ساعةً وساعةً )
معنى هذا أن الصحابي له حال, وهو عند رسول الله, إذا جاء إلى البيت,
قد يفقد هذا الحال؛ تسميه الوميض, تسميه التجلي, تسميه السكينة,
تسميه التألق, تسميه الزخم الروحي, سمه ما شئت, الطاعة لها قوة تأثير,
المسلمون بحاجة إلى رجال, لهم أحوال تؤثر فيهم أي:
الفرق بين العالم والحكيم :
الفرق بين العالم والحكيم؛ العالم معه معلومات دقيقة جداً,
الحكيم طبق هذه المعلومات فتألق, الحكيم معه الحقيقة والبرهان عليها,
العالم قد يحدثك عن الصبر, أو عن الشكر حديثاً طويلاً, دقيقاً, عجيباً,
ولكن الحكيم صابر, وشاكر؛ فبين أن تتحدث عن الصبر وبين أن تكون
صادقاً, وبين أن تتحدث عن الشكر وبين أن تكون شاكراً، مسافة كبيرة.
أهم كلمة في هذا الدرس: حال واحد في ألف خير من ألف قال في واحد,
ألف إنسان متكلم لا يهزون واحداً, وإنسان متصل بالله يهز ألفاً.
قال بعضهم: وكيف تحب أن تُدعى حكيماً وأنت لكل ما تهوى وتجوب تضحك
دائماً ظهراً لبطن، وتذكر ما جنيت فلا تذوب؟.
قال بعضهم: لو أن رجلاً بين جبلين, أحدهما من ذهب, والآخر من فضة,
ثم جعل يتصدق من هذا, ومن هذا, ورجل حبيس ينطق بالحكمة,
لكان صاحب الحكمة أعظم أجراً عند الله؛ لأنه:
{ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً }
الناس لا تصدق إلا ما تشاهد, أما ما تسمع فلا يؤثر فيها,
والحقيقة الناس يتعلمون بعيونهم, لا بآذانهم.
جهاد النفس والهوى أعلى جهاد على الإطلاق :
الآن: الأب القدوة له تأثير مذهل في أولاده, أما الأب الذي عنده ثقافة
واسعة, ويلقي على أولاده مواعظ, ويدخن فرضاً, لمجرد أن يدخن الأب
انتهى؛ معنى هذا أنه ضعيف الإرادة أمام نفسه, معنى هذا أن هذه الدخينة
مسيطرة عليه, معنى ذلك أنه انهزم أمام نفسه, فالمهزوم لا يؤثر.
لذلك قالوا: جهاد النفس والهوى أعلى جهاد؛ لأنك أنت عندما انتصرت
على نفسك, الآن ممكن أن تعمل جولة مع الخصوم, أما إذا كنت مهزوماً
مع نفسك فأنت منتهٍ، والجهاد الدعوي يأتي بعده,
وفي الدرجة الثالثة الجهاد القتالي.
أما الجهاد الدعوي فالله عز وجل قال:
{ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً }
وقال بعضهم: مثل الجوع كمثل السحاب, ومثل الزهد كمثل الرعد,
ومثل القناعة كمثل البرق, والحكمة كالمطر.
أي السحاب مع الرعد مع البرق في النهاية يشكل المطر التي هي الحكمة.
وقال بعضهم: أمر الله تعالى نبيه أن يدعو هذه الأمة بدعوتين, فقال:
{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ }