( الحديث السابع عشر : عُمومُ الإِحْسَان )
2- النهي عن التحريق بالنار
3- الإحسان في ذبح البهائم
عن أبي يَعْلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللهُ عنه ،
عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم قال :
(إنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسانَ على كلِّ شَيءٍ ، فإذا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ،
وَإذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ ، ولْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ولْيُرحْ ذَبيحَتَهُ )
هذا الحديث قاعدة من قواعد الدين الهامة ، ويتضمن إتقان جميع
تعاليم الإسلام ، لأن الإحسان في الفعل يكون بإيقاعه كما طلب
مصدر أحسن إذا أتى بالحَسَن ، و يكون بإتقان العمل
يقال أَحَدَّ السكين ، وحَدَّها ، و استحدَّها بمعنى واحد
السكين وما يذبح بها، و شفرتُها : حَدُّها
ينص الحديث على وجوب الإحسان ، و هو الإحكام والإكمال
والتحسين في الأعمال المشروعة ،
وقد أمر الله به في كتابه العزيز فقال :
{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الإِحْسَانِ }
{ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
وهو مطلوب عند الإتيان بالفرائض ، و في ترك المحرمات ،
و في معاملة الخلق ، والإحسان فيها أن يأتي بها على غاية كمالها ،
ويحافظ على آدابها المصححة والمتممة لها ، فإذا فعل قُبل عمله و
و هو تحسين هيئة القتل بآلة حادة ، و يكون بالإسراع في قتل
النفوس التي يُباح قتلها على أسهل الوجوه ، و القتل المباح إما أن
يكون في الجهاد المشروع ، و إما أن يكون قِصاصاً أو حَدّاً من حدود
الله تعالى ، و قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المُثْلَة ،
و هي قطع أجزاء من الجسد ، سواء أكان ذلك قبل الموت أم بعده ،
ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم :
و لئن جاز للمسلمين أن يستخدموا الأسلحة النارية والمدفعية
المدمرة من قبيل المعاملة بالمثل
{ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ }
فإنه لا يجوز لهم بحال من الأحوال أن يتجهوا في قتالهم بها إلى
التعذيب و التشويه ، فالإسلام يرفض هذا المسلك المتوحش ،
و يبقى منطلقه هو الإحسان إلى كل شيء ، و خاصة الإنسان .
فلا يجوز التمثيل بالمقتص منه ، بل يقتل بالسيف ، فإن كان القاتل
المتعمد قد مثَّل بالمقتول ، فقد ذهب مالك و الشافعي وأحمد في
المشهور عنه إلى أنه يُقتل كما قَتَلَ .
و ذهب أبو حنيفة و أحمد - في رواية عنه - إلى أنه لا يقتل إلا
و أما القتل حداً للكفر، فأكثرُ العلماء على كراهة المثلة فيه أيضاً ،
سواء كان لكفر أصليٍّ أم لردة عن الإسلام .
النهي عن التحريق بالنار :
ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أَذِنَ
بالتحريق بالنار ثم نهى عنه ، و روى البخاري عن ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه و سلم قال :
( لا تُعذِّبوا بعذابِ اللهِ )
و هذا يدل على أن تعاليم النبي الكريم تقدمت و سبقت ما اتفقت عليه
الدول من منع القنابل المحرقة ، علماً بأن الدول الكبيرة و القوية لم
تلتزم بهذا المنع ، بل بقي حبراً على ورق !
و النهي عن التحريق في الإسلام يشمل الحيوانات و الهوام ،
ففي مسند الإمام أحمد وأبي داود و النسائي عن عبد الله بن مسعود
قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمررنا بقرية نمل قد أُحرقت
فغضب النبي صلى الله عليه وسلم و قال :
( لا ينبغي لبشر أن يعذب بعذاب الله عز وجل )
وهو أن تُحبس البهيمة ثم تضرب بالنبل و نحوه حتى تموت .
النهي عن اتخاذ شيء فيه الروح غرضاً :
والغرضُ هو الذي يُرمى فيه بالسهام . أي يتخذونها هدفاً .
و في الإسلام آداب يلتزم بها المسلم عند الذبح و هي بمجموعها
تجسيد عملي للإحسان و الرفق ، فمن ذلك أن يحدَّ الشفرة ،
ليكون الذبح بآلة حادة تريح الذبيحة بتعجيل زهوق روحها ،
و من الآداب الرفق بالذبيحة ، فتساق إلى الذبح سوقاً رفيقاً ،
و توارى السكين عنها ، و لا يُظهرْ السكين إلا عند الذبح .
كما يستحب أن لا يذبح ذبيحة بحضرة أخرى ، و يوجه الذبيحة إلى
القبلة ، ويسمي عند الذبح ، و يتركها إلى أن تبرد ، و يستحضر نية
القُرْبةَ ، و يعترف لله تعالى بالمِنّة في ذلك ، لأنه سبحانه سَخَّرَ لنا
هذه البهائم و أنعم بها علينا .
و من الإحسان لها أن لا تُحَمَّل فوق طاقتها ، و لا تركب واقفة
إلا لحاجة ، ولا يُحلب منها إلا ما لا يضرُّ بولدها .
و الحديث بعد هذا كله قاعدة من قواعد الإسلام الهامة ،
لأنه دعوة كريمة من النبي صلى الله عليه و سلم إلى الإحسان