الإنسان إذا أكرمه الله عز وجل بهداية إنسان, قد يموت هذا الذي دعا
إلى الله؛ ولكن أعماله لا تنتهي, كل من دعاه إلى الله, الخير الذي جاءه منه
إلى يوم القيامة في صحيفته، لذلك قال سيدنا رسول الله
( فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى الله بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ )
( خير له مما طلعت عليه الشمس )
الحق ثابت ومستمر والباطل طارئ وزاهق :
{ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ }
الكلمة الخبيثة ليس لها قاعدة صلبة تستند إليها؛ لذلك الباطل:
{ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }
لو الباطل عاش سبعين سنة, ينهار من داخله؛ أما الحق فثابت ومستمر,
{ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ }
أيضاً: الكلمة الخبيثة تنتشر, لكن لا بدّ من أن تنهار؛ لقول الله عز وجل:
{ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }
شديد الزهوق, وزهوق: صيغة مبالغة؛ أي أكبر باطل لا بدّ من أن ينهار,
وأكبر عدد من أنواع الباطل لا بدّ من أن ينهار, نوعاً, وكماً من يقرأ القرآن
{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }
القول الثابت القرآن الكريم, القرآن فيه آيات, فيه وعد, وفيه وعيد,
وفيه أمر, وفيه نهي, وفيه ثواب, وفيه عقاب.
فالإنسان حينما يقرأ القرآن والله عز وجل بشره، هذه البشرى حياة لقلبه,
الله حذره هذا التحذير ردع له عن كل سيئة؛ فالذي يقرأ القرآن إنسان حي,
والذي لا يقرؤه إنسان ميت, والله عز وجل قال:
{ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ }
هذا الإنسان مقبور بشهوته, أما المؤمن فقلبه أصبح حياً,
ليس من مات فاستراح بميـ ـت إنما الميت ميت الأحياء
قال: يا بني! العلم خير من المال؛ لأن العلم يحرسك, وأنت تحرس المال,
والمال تنقصه النفقة, والعلم يزكو على الإنفاق,
يا بني! مات خزان المال وهم أحياء, والعلماء باقون ما بقي الدهر.
سرّ الشباب الذي يتمتع به المؤمن :
البارحة صار هناك نقاش حول موضوع أن المؤمن هل يشيخ؟
المؤمن لا يشيخ, المؤمن في شباب دائم, ما سرّ الشباب الذي يتمتع به
المؤمن؟ أهل الدنيا لهم أهداف محدودة, فإذا بلغوها سئموا الحياة؛
هدفه البيت، اشترى بيتاً, وهدفه المال، جمع المال, وهدفه الزواج، تزوج,
بعد أن تصل إلى كل أهدافك المادية المحدودة؛ يبدأ السام, والضجر, والملل,
والانقباض, والشعور بالفراغ؛ فالإنسان يشيخ, أي يكبر حينما تنتهي أهدافه,
وحينما يمل حياته, لماذا المؤمن لا يشيخ وهو في شباب دائم ؟
لأن هدفه كبير جداً, مهما سعى في طريق هدفه المسافة طويلة.
فقد تجد إنساناً في سن متقدم جداً, نفسيته نفسية شباب,
والإنسان متى يشيخ؟ إذا انتهت أهدافه؛ أما إذا أهدافه متجددة, وكبيرة جداً,
ولا نهائية, فهو في شباب دائم, وهذا سر نشاط المؤمن, هدفه الله عز وجل؛
ومهما طلب العلم, هل من مزيد؟
مهما عمل الأعمال الصالحة, هل من مزيد؟
لذلك: المؤمن شاب دائماً, قد يضعف جسمه, وقد تضعف قواه,
وقد يضعف بصره؛ ولكن نفسيته في شباب دائم, وهذا سر الإنسان المؤمن,
صحيح الجسم؛ لأن جهازه المناعي قوي جداً, والجهاز المناعي يقوى
بالأمن, والتفاؤل, والحب, يوجد عند المؤمن مشاعر غنية جداً,
قربه من الله, ومحبته له, هذه المشاعر تورثه قوة في جهازه المناعي.
والله مرة زرت إنساناً بالخامسة والثمانين, قلت له: كيف الصحة؟
قال: الحمد لله, صحتي جيدة جداً بحسب سني, إنسان في التسعين تقريباً,
نشيط, يذهب إلى عمله مشياً على قدميه!! هذا نشاط.
فالذي أتمنى أن يكون واضحاً عند الأخوة الكرام,
الإنسان حينما يصل إلى الهدف الذي ينبغي أن يصل إليه, وأن يعرف الله,
وأن يستقيم على أمره, وأن يعمل الأعمال الصالحة، يسلم بقدر طاعته لله,
الدين كلمتان؛ إحسان واتصال :
الله عز وجل قال على لسان سيدنا عيسى:
{ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً }
الإنسان له حركة نحو الله اتصالاً, وحركة نحو الخلق إحساناً؛
بقدر إحسانك نحو الخلق تتصل بالخالق, وبقدر اتصالك بالخالق تكون مهيئاً
بالإحسان إلى الخلق, وأحياناً الإنسان بحاجة إلى المفاهيم المضغوطة.
الدين كلمتان: إحسان واتصال؛ إن لم تحسن لا تتصل,
والإنسان المسيء مقطوع عن الله عز وجل, الآية الكريمة:
{ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }
لمجرد أن تعتدي على حق أخيك, الله عز وجل يبعدك عنه, لا يحبك:
{ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }
فإذا دعوتموهم وأنتم معتدون لا يحبكم ولا يستجيب لكم.
أيها الأخوة, يمكن أن نقول في هذا الموضوع:
إن الحكمة تتعلق بها حياة الإنسان الراقية, ومداد العلماء
أقل ما عند العلماء, ودماء الشهداء أغلى ما عند الشهداء,
ومع ذلك أقل ما عند العلماء يرجح على أعظم ما عند الشهداء
لفضيلة الشيخ : محمد النابلسي
في الله اخوكم مصطفى الحمد