الأخ / الصبر ضياء - الفرج قريب
العمل بالعلم
تعليق على كلام للإمام أبن القيم يرحمه الله في كتابه الفوائد
قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي - حفظه الله تعالى -:
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد,
وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد:
[ كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها,
فلابد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه, وفي خبره وإلزامه,
لأن أحكام الرب سبحانه كثيرًا ما تأتي على خلاف أغراض الناس
ولا سيما أهل الرياسة والذين يتبعون الشبهات فإنهم لا تتم لهم أغراضهم
إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيرًا.
فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات لم يتم لهما
ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق, ولا سيما إذا قامت له شبهة,
فتتفق الشبهة والشهوة ويثور الهوى فيخفى الصواب
وينطمس وجه الحق, وإن كان الحق ظاهرًا لا خفاء به ولا شبهة فيه
أقدم على مخالفته وقال: لي مخرج بالتوبة.
وفي هؤلاء وأشباههم قال تعالى:
{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا }
وقال الله تعالى فيهم أيضًا:
{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا الْأَدْنَىٰ
وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ
أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ
وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
فالعلم شأنه عظيم عند الله, ولأهله الصادقين المخلصين العاملين
بما تعلَّموه من دين الله الجزاء العظيم يرفعهم الله به درجات,
وهم الذين يخشون الله, كما قال سبحانه وتعالى:
{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }
فالعالم الذي يخشى الله ويراقبه لابد أن يكون عاملاً بما علم,
فيتبع رضوان الله ويتجنب مساخطه, ويعرف ما الذي يرضي الله عز وجل
وقد أثنى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على العلم والعلماء,
وأخبر أن العلماء ورثة الأنبياء, ولمن ليس كل من كان عالمًا
كان وارثاً للأنبياء, فلابد من الإخلاص في العلم ولابد من تطبيق هذا العلم
والعمل به ونشره في الناس, فيصلح نفسه بهذا العلم ويصلح الآخرين,
وإذا لم يعمل به كان العلم أداة وهدم والعياذ بالله,
ولهذا ذم الله من لم يعمل بعلمه, وتوعدهم أشد الوعيد, قال –تبارك وتعالى-:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ
لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ }
فذمهم الله أشد الذم وتوعدهم أشد الوعيد.
{ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ }
فمن أكبر المقت أن تقول بالعلم وتعظ من منطلق العلم ثم لا تعمل, قال تعالى:
{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّـهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ
وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ
وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }
فينبغي للأمة الإسلامية أن تتجنب طرق هؤلاء الضالين
من أهل الكتاب الذين تعلموا العلم ولم يعملوا به فقست قلوبهم
وفسق أكثرهم, لأن عدم العمل بالعلم يورث هذه القسوة,
وهذه القسوة إذا أصابت القلب أهلكته فلا يقبل الحق ولا يعمل بالعلم
والعياذ بالله, ويؤدي إلى كتمان العلم والعمل بضده,
ويؤدي إلى اتباع الهوى ورد الحق الواضح كالشمس.
وهذا قد وجد في هذه الأمة, كما قال –عليه الصلاة والسلام-:
( خيرُكُم قرني ثُمَّ الذين يلونهم ثُمَّ الذين يلونهم
ثُمَّ يكون بعدهم قومٌ يخونُون ولا يُؤتمنون, ويشهدون ولا يُستشهدون,
وينذرون ولا يُوفون, ويظهرُ فيهم السمن )
يشهدون الزور ويخونون ولا يؤتمنون ويقومون على الفجور
ويتبعون الشهوات والعياذ بالله, إلا من سلَّم الله من الطائفة المنصورة
التي أثنى عليها رسول الله –عليه الصلاة والسلام-.
فعلينا أن نتعلم العلم لوجه الله عز وجل ونعمل به, فالجهل داء قاتل,
والعلم سلاح فتاك إذا لم تعمل به والعياذ بالله.