(الحديث العشرون : الحَياءُ مِنَ الإِيمَان)
عن أبي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بن عمرو الأَنْصَارِيّ البَدْرِيّ رضي اللهُ عنه
قال : قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه و سلم :
( إِنَّ مما أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوةِ الأولى :
إِذا لمْ تَسْتَحْي فاصْنَعْ ما شِئْتَ )
إذا كان معنى الحياء امتناع النفس عن فعل ما يعاب ، و انقباضها من
فعل شيء أو تركه مخافة ما يعقبه من ذم ، فإن الدعوة إلى التخلق
به و ملازمته إنما هي دعوة إلى الامتناع عن كل معصية و شر ،
و إلى جانب ذلك فإن الحياء خصلة من خصال الخير التي يحرص
عليها الناس ، و يرون أن في التجرد عنها نقصاً وعيباً ،
كما أنه من كمال - الإيمان و تمامه .
مما اتفق عليه الأنبياء ، و مما ندب إليه الأنبياء .
إما أن تكون على معنى التهديد و الوعيد ،
إذا نُزِعَ منك الحياء فافعل ما شئت فإنك مجازى عليه .
و إما أن تكون على معنى الإباحة ،
إذا أردت فعل شيء و كان مما لا تستحي من فعله أمام الله و الناس
أمرٌ بمعنى التهديد والوعيد ، فكأنه صلى الله عليه و سلم يقول :
إذا لم يكن عندك حياء فاعمل ما شئت ، فإن الله سيجازيك أشد
الجزاء ، و قد ورد مثل هذا الأمر في القرآن الكريم خطاباً للكفار
{ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ }
و هو ما كان خَلْقاً غير مكتسب ، يرفع من يتصف به إلى أَجَلِّ
الأخلاق ، التي يمنحها الله لعبد من عباده و يفطره عليها ،
و المفطور على الحياء يكف عن ارتكاب المعاصي و القبائح و دنيء
الأخلاق ، و لذا كان الحياء مصدر خير و شعبة من شعب الإيمان ،
قال صلى الله عليه و سلم :
( الحياء شعبة من شعب الإيمان )
و ثانيهما الحياء المكتسب :
و هو ما كان مكتسباً من معرفة الله و معرفة عظمته و قربه من
عباده ، و اطلاعه عليهم ، و علمه سبحانه بخائنة الأعين و ما تخفي
الصدور ، و المسلم الذي يسعى في كسب و تحصيل هذا الحياء إنما
يحقق في نفسه أعلى خصال الإيمان وأعلى درجات الإحسان .
و إذا خلت نفس الإنسان من الحياء المكتسب ، و خلا قلبه من الحياء
الفطري ، لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح والدنيء من الأفعال
و أصبح كمن لا إيمان له من شياطين الإنس و الجن .
عندما يكون الحياء امتناع النفس عن القبائح و النقائص فإنه خُلُقٌ
يُمدح في الإنسان ، لأنه يكمل الإيمان و لا يأتي إلا بخير ، أما عندما
يصبح الحياء زائداً عن حده المعقول فيصل بصاحبه إلى الاضطراب
و التحير ، و تنقبض نفسه عن فعل الشيء الذي لا ينبغي الاستحياء
منه ، فإنه خلق يذم في الإنسان ، لأنه حياء في غير موضعه ،
و خجل يحول دون تعلم العلم و تحصيل الرزق ،
حياء الرجل في غير موضعه ضعف .
فإن الحياء الممدوح الذي يحث على فعل الجميل و ترك القبيح ،
فأما الضعف و العجز الذي يوجب التقصير في شيء من حقوق الله
أو حقوق عباده فليس هو من الحياء ، فإنما هو ضعف و خَوَر .
تتزين المرأة المسلمة بالحياء ، و تشارك الرجل في إعمار الأرض
و تربية الأجيال بطهارة الفطرة الأنثوية السليمة ، فالفتاة القويمة
تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم ، و لكنها لطهارتها
واستقامتها لا تضطرب ، الاضطرابَ الذي يطمع و يغري و يهيج ،
إنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب و لا تزيد .
أما المرأة التي توصف في زماننا بالاسترجال والسفور والتبرج
والاختلاط بالرجال الأجانب من غير ضرورة شرعية ، فهذه لم تَتَرَبَّ
في مدرسة القرآن و الإسلام ، و استبدلت بالحياء و طاعة الله تعالى

فمن اتصف بالحياء حتى غلب على جميع أفعاله ، كان عفيفاً بالطبع

إن واجب الآباء والمربين في المجتمع المسلم أن يعملوا جاهدين
على إحياء خلق الحياء ، و أن يسلكوا في سبيل ذلك الطرق التربوية
المدروسة ، و التي تشمل مراقبة السلوك و الأعمال الصادرة من
الأطفال وتقويم ما يتناقض مع فضيلة الحياء ، و اختيار الرفاق
الصالحين و إبعاد رفاق السوء ، و التوجيه إلى اختيار الأطفال
للكتب المفيدة ، وإبعادهم عن مفاسد الأفلام والمسرحيات الهزلية ،
يرشدنا إلى أن الحياء خير كله ، ومن كثر حياؤه كثر خيره ،
و من قل حياؤه قل خيره . لا حياء في تعليم أحكام الدين ،