غالب الروايات ربطت بين إطفاء المصابيح و بين الرقاد ( النوم ) ,
و إن لم يُذكر الرقاد صراحة فى بعضها و لكنه يُفهم من السياق , و
لكن بعض الروايات لم تربط بين إطفاء المصابيح و النوم , و قد
يكون ذلك لهدف مقصود , فحتى عندما يأتي الليل ( فترة السكون )
يفضل إطفاء السراج و لو لم يُرد الإنسان النوم في هذا التوقيت ,
و ذلك لأن التعرض المستمر للإضاءة بالنهار و الليل قد تنتج عنه
أضرار صحية كما أثبتت الدراسات العلمية الحديثة كما سوف نري
في هذا البحث بإذن الله تعالي , و للحماية من هذه الأضرار ينبغي
التعرض لفترة معينة من الظلام حتي و لو لم تكن هذه الفترة لغرض
بعض الروايات خصت ذكر الرقاد في الليل و بعضها ترك الأمر على
إطلاقه بدون تخصيص لفترة الليل , ليتبين لنا تعميم الفائدة من
إطفاء السراج عند الرقاد في أي وقت بالليل أو النهار .
سنركز في الأحاديث السابقة على نقطة واحدة ألا و هي إطفاء
السُرُج أو المصابيح عند النوم , و مع أن هناك العديد من الآيات التي
تتناول أهمية النوم و السكن في الليل عملا بالسنة الكونية التي
{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }
{ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }
{ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً
إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ }
إلا أن هذه الآيات لم تنهانا عن التعرض لضوء السُرُج أو المصابيح
عند النوم ليلا , فقد ألتزم بالسنة الكونية فأنام بالليل أعمل بالنهار ,
و لكن أحب النوم ليلا في ضوء المصابيح , و أحب أن تكون كل
شوارع المدينة مضيئة في الليل .
} وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً{
ليؤكد علي أهمية النوم في الظلام التام , فربط المولي تبارك و تعالي
بين النوم السبات و بين جعله الليل لباسا , ليدل علي أهمية الظلمة
التامة للحصول علي النوم السبات .
} وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً {
أي سترا يستترون به كما يستترون بالثياب التي يكسونها .
و مع أن الآية السابقة بينت نعمة لباس الليل و أهمية هذه النعمة
للنوم السبات , إلا أن هذه الآية أيضا لم تنهانا صراحة عن قطع
لباس الليل بضوء المصابيح , و لما كان الإسلام هو دين الكمال الذي
يدل الناس علي كل خير و ينهاهم عن كل شر , فقد جاءت السنة
النبوية المكملة للقرآن بالنهي الصريح عن التعرض للمصابيح
( أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ بِاللَّيْلِ إِذَا رَقَدْتُمْ )
و لم يكن النبي صلي الله عليه و سلم لينهانا عن شيء إلا لعلمه بأن
له من الأضرار العاجلة و الآجلة أضعاف ما قد يحققه من النفع
فهل أثبت العلم الحديث أن التعرض لضوء المصابيح في الليل له
أضرار علي الإنسان و بيئته ؟
و ما هي هذه الأضرار علي الإنسان و بيئته ؟
هذا ما سوف نتناوله في هذا البحث بإذن الله تعالي .
يعتبر مصطلح التلوث الضوئي من المصطلحات الحديثة التي لم تكن
في قاموس الإنسانية , و هو أحد أنواع الملوثات البيئية الحديثة التي
تسبب فيها إنسان العصر الحديث , بسب الإسراف الزائد في استعمال
الضوء الصناعي داخل و خارج البيوت , و في تحويل ليل المدن إلي
نهار صناعي , مما أثر بالسلب علي الإنسان و بيئته .
فقد بدأت إضاءة الليل اصطناعياً بواسطة الكهرباء ، تقلق طمأنينة
الحياة , و تمزع لباس الليل الذي عهدته الكرة الأرضية منذ أن جعل
الله الليل سكنا و النهار نشورا , و تعاقب الليل و النهار , وتآلفت
الكائنات طبيعياً ( وضمنها الإنسان ) بهذا التعاقب الدوري ، فسكنت
الحياة ليلاً ، وازدهرت بسعي أغلب الكائنات الحية علي معاشها
و مع اكتشاف المصباح الكهربائي بدأ الخلل في ميزان التعاقب
الدوري لليل و النهار , و تفاقم هذا الخلل حتى وصل ذروته في
عصرنا الحديث بعد أن صمم الإنسان بجهل شديد علي إنارة كافة
البيوت و التجمعات السكنية بشكل مبالغ فيه.
و بعد عقود من الاستعمال الغاشم للإنارة الصناعية , ظهر للإنسان
أن الإنارة الكهربائية بالرغم من كل ما لها من منافع إلا أنها لا تخلو
من المساوئ , وظهر مصطلح « التلوث الضوئي » :
لوصف الآثار السلبية المترتبة على أنواع الإنارة الاصطناعية