والإمام أحمد صبر على المحنة والبلاء ثمانية عشر سنة وهو صابر
ثابت تحت السياط وفي الأغلال والحديد يعذب كي يقول كلمة واحدة
فلم يقلها , وقد ذكر أنه مما أعانه على الصبر في محنة القول بخلق
القرآن أن شيخا كبيرا من أهل العراق أتاه وهو في الحديد يساق إلى
يا أحمد أنت اليوم رأس في أهل الإسلام فإتق الله فيهم
فإنك إن أجبت أجاب من وراءك .
وكذلك قول المودودي عندما أطلق الرصاص وهو قائم يخطب فقال
إذا جلست أنا فمن يقوم من الأمور المهمة التي ينبغي أن يتذكرها
إلتماس المنحة في المحنة وذالك من لطف الله تعالى ولهذا يقول احد
لا تكره المكروه عند حلوله ان الحوادث لم تزل متباينة
كم نعمة لا تستقل بشكرهــا لله في طي المكاره كامنــــة
فهذا يوسف عليه السلام أراد الله أن يجعله ملكا على مصر ولكنه
أوتي به عبدا وسلط عليه أقرب الاقربين ليرموه في الجب وقديما
وظلم ذوي القربى أشد مضاضـــــــــة
على المرء من وقع الحســــــام المهند
ويباع بثمن بخس دراهم معدودة ويسجن بعد ذالك مدة طويلة ليكون
بهذا ملكا ولهذا عرف العلامة المختار ابن بونة رحمه الله اللطف
واللطف ابراز الامور جاء فــــي سور اضداد كما ليوسف
صيره رقا لكي ينـــــــــالا ملكا وعزا ربه تعـــــــــــــــــالى
فحصار الشعب الذي فرض على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم واصحابه وبني هاشم وبني المطلب بمكة ودام ثلاث سنين
ظاهره محنة ولكن باطنه منحة فقد إتخذه الله لهم محضنا إيمانيا
يتربون فيه ويعتزلهم فيه أهل الجاهلية ويجدون فيه هجرة في
داخلهم وإنقطاعا عن كل مظاهر الجاهلية حتى يحققوا قيم الإيمان
من الإيمان والإخاء ولنصيحة لله ورسوله والصبر والجلد في الحق.
( لا تُكثِروا الكلامَ بغيرِ ذكرِ اللهِ فإنَّ كثرةَ الكلامِ بغيرِ ذكرِ اللهِ قسوةٌ
للقلبِ . وإن أبعدَ الناسِ من اللهِ القلبُ القاسي )
الراوي : عبدالله بن عمر – المحدث : الترمذي –
المصدر : سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم : 2411
خلاصة حكم المحدث : حسن غريب
تذكر قرب الفرج الذي يأتي مع الشدة قال الله تعالى :
{ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }
{ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }
ما بين طرفة عين وانتباهتها يقلب الأمر من حال إلى حال
ولذالك فإن أبا عمرو ابن العلاء أحد النحويين المشهورين كان من
القراء الذين اختارهم الحجاج في العراق عند تنقيطه للمصحف
وضبطه له وتحزيبه وتعشيره .
فكان يقرأ على الحجاج فقرأ في سورة البقرة :
{ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ
فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ }
والحجاج يقرأ بقراءة أهل الحجاز وهي :
{ إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ }
فأنكر عليه الحجاج فقال هكذا سمعت وحدثه أن روايته هكذا فقال :
لتأتين بشاهد من العربية على أن فُعلة تأتي بمعنى المرة خلال شهر
فخرج أبو عمرو في الاعراب في الصحراء يتلمس الشاهد على ذالك
حتى اذا لم يبق من الشهر إلا يوم واحد خرج مغموما مهموما فإذا
براكب يتغنى وينشد أبيتا سمعها أبو عمرو فإذا فيها الشاهد :
قد يموت الجبان في آخر الصف وينجو مقارع الأبطال
ربما تكره النفوس من الأمـــــر له فرجة كحل العقـــال
فالفَرجة والفُرجة معناهما واحد :
وهما للمرة كالغرفة والغرفة ففرح بذالك أبو عمرو فرحا شديدا لما
( ما أدري بأيهما أفرح بموت الحجاج أم بوجود الشاهد )