" طعام أهل الجنة و شرابهم "
{ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ *
لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ }
{ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ }
أي: يتردد الولدان المستعدون لخدمتهم بالأشربة اللذيذة، بالكاسات الجميلة المنظر،
المترعة من الرحيق المختوم بالمسك، وهي كاسات الخمر.
وتلك الخمر، تخالف خمر الدنيا من كل وجه، فإنها في لونها
من أحسن الألوان ، وفي طعمها
{ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ }
أي : يتلذذ شاربها بها وقت شربها وبعده، وأنها سالمة من غول العقل وذهابه،
ونزفه، ونزف مال صاحبها، وليس فيها صداع ولا كدر،
فلما ذكر طعامهم وشرابهم ومجالسهم، وعموم النعيم وتفاصيله داخلة
لكن فصل هذه الأشياء لتعلم فتشتاق النفوس إليها .
{ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا *
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * }
وهم الذين برت قلوبهم بما فيها من محبة الله ومعرفته، والأخلاق الجميلة،
فبرت جوارحهم ، واستعملوها بأعمال البر أخبر أنهم
{ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ }
أي: شراب لذيذ من خمر قد مزج بكافور أي: خلط به ليبرده ويكسر حدته،
وهذا الكافور [ في غاية اللذة ] قد سلم من كل مكدر ومنغص،
موجود في كافور الدنيا، فإن الآفة الموجودة في الأسماء التي ذكر الله
أنها في الجنة وهي في الدنيا تعدم في الآخرة.
{ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ }
أي: ذلك الكأس اللذيذ الذي يشربون به، لا يخافون نفاده، بل له مادة لا تنقطع،
وهي عين دائمة الفيضان والجريان، يفجرها عباد الله تفجيرا، أنى شاءوا،
وكيف أرادوا، فإن شاءوا صرفوها إلى البساتين الزاهرات، أو إلى الرياض الناضرات،
أو بين جوانب القصور والمساكن المزخرفات،
أو إلى أي: جهة يرونها من الجهات المونقات.