سيدي الأخ العقيد / سامى عطا الياس
فضيلة الشيخ على الطنطاوي يرحمه الله
بدأ الشيخ الطنطاوي العمل في الصحافة عام 1926 حي نشرت له
أول مقالة ، ولهذه المقالة قصة طريفة نذكرها لأخذالعبرة
بعدم التقليل من النفس ، وقد رواها الشيخ بنفسه :
[ كتبت مقالاً و قرأته على رفيقي أنور العطار ،
فأشار علي أن أنشره. فاستكبرت ذلك، فما فتئ يزينه لي حتى لنت له،
وغدوت على إدارة المقتب فسلمت على الأستاذ أحمد كرد علي -رحمه الله
ورحم جريدته- ودفعت إليه المقال.
فنظر فيه فرأى كلاماً مكتهلاً، ونظر في وجهي فرأى فتى فطيراً،
فعجب أن يكون هذا من هذا، وكأنه لم يصدقه فاحتال عليّ حتى امتحنني
بشيء أكتبه له زعم أن المطبعة تحتاج إليه فليس يصح تأخيره،
فأنشأته له إنشاء من يسابق قلمه فكره، فازداد عجبه مني و وعدني
فخرجت من حضرته وأنا أتلمس جانبيّ أنظر هل نبت لي أجنحه
أطير بها لفرط مااستخفني السرور ثم أكمل قائلاً :
حتى إذا انبثق الصبح وأضحى النهار أخذت الجريدة،
فإذا فيهاالمقال وبين يديه كلمة ثناء لو قيلت للجاحظ لرآها كبيره عليه ]
وقد كتب الشيخ في الكثير من الصحف منها على سبيل المثال لا الحصر
( الفتح و الزهراء و ألف باء و الأيام و الرسالة )
أما من الصحف الحالية فقد كتب في
( الشرق الأوسط والمدينة بالإضافة إلى مجلة الحج )
والصحافة هي العمل الأفضل لديه على حسب كلامه .
التعليم فهو العمل الذي ملأ حياته بأكملها، فقد بدأ بالتعليم وهو ما يزال طالباً
في الثانوية في إحدى مدارس الشام.
ثم انتقل بعد ذلك ليعلم في مناطق أخرى في داخل سوريا وخارجها
حيث عمل مدرساً في العراق، وللعراق قصص مشوقة في مذكراته ،
كما معلماً في الرياض ومكة وبيروت
ربع قرن قضاها الشيخ في القضاء كانت من أخصب سنيّن حياته .
- وقد قال الشيخ عن تلك الفترة :
[ لقد تنقلت في البلاد ورأيت اصنافاً من العباد،
ولكني لم أخالطهم ولم أداخلهم. كنت ألقاهم من فوق أعواد المنابر
أو من خلال أوراق الصحف والمجلات أو من على منبر التدريس،
والذين لقيتهم إنما كان لقائي بهم عارضاً؛ ألامسهم ولا أداخلهم،
فلما وليت القضاء رأيت ما لم أكن أعرف من قبل ]
وعند توليه القضاء ظهر نبوغ علي الطنطاوي وبان تميزه مجدداً ،
فلقد أراد أن يكون متقناً لعمله ، مجيداً ومخلصاً له،
فلما نجح في امتحان القضاء وعين ، طلب من الوزارة أن تمهله شهراً ،
[ لا لألعب فيه وأستمتع، ولا لأسافر وألهو، بل لأواظب في المحكمة الشرعية
في دمشق حتى أعرف المعاملات كلها: من عقد النكاح، وحصر الأرث،
وتنظيم الوصية، إلى الحكم في قضايا الإرث والوقف والزواج... ]
وقد عمل الشيء الكثير حين توليه القضاء وغير كثيراً من الأخطاء الواقعة
في تلك الأيام وفي عام 1960 كُلف بوضع مناهج الدروس فوضعها
وحده بعد سفره لمصر والتقاءه بعلماءالأزهر وإدارة التعليم واعتمدت كلها
( ولا تفوتكم قراءة مذكراته لمعرفة المزيد والمزيد عن تلك الفترة وغيرها )
إنتقال الشيخ إلى المملكة العربية السعودية
1963 إنتقل الشيخ للرياض مدرساً في ( الكليات والمعاهد ) المعروفة
حالياً ( بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميه )
وعاد نهاية العام إلى دمشق لإجراء عملية جراحية مبيتاً النية
على عدم العودة مجدداً للمملكة إلا أن عرضاً بالتدريس في مكة قد جعله
يغير قراره إنتقل بعدها الشيخ ليقيم في مكة وجدة خمسة وثلاثين سنة
بدأ علي الطنطاوي بالتدريس في كلية التربية بمكة،
ثم لم يلبث أن كُلف بتنفيذ برنام للتوعية الإسلامية،
فترك الكلية و ذهب ليجوب مدراس وجامعات السعودية لإلقاء المحاضرات
والندوات، ثم تفرغ للإجابة عن الفتاوى في مجلس خصّص له في الحرم
أو في بيته، ثم بدأ بإذاعة برنامجيه: ( مسائل ومشكلات) في الإذاعة ،
وبرنامج (نور وهداية ) في الرائي(4) والشيخ يعد من أقدم مذيعي
العالم بأسره حيث بدأ يذيع لأول مرة في أوائل الثلاثينات من القرن الفائت .
كان الشيخ ينشر كل يوم خميس حلقة من ذكرياته في الصحف إلى أن
تعب من العمل فودع القراء( وكانت حلقات الذكريات قد قارب مئتين
وخمسين حلقة أقول : فودع القراء قائلاً :
[ لقد عزمت على أن أطوي أوراقي، وأمسح قلمي،
وآوي إلى عزلة فكرية كالعزلة المادية التي أعيشها من سنين،
فلا أكاد أخرج من بيتي، ولا أكاد ألقى أحداً من رفاقي وصحبي ]
ذكرت فيما سبق إعتزال الشيخ للرائي والإذاعة والصحف،
فقد أغلق بيته واعتزل الناس إلا قليلاً من المقربين .
وقد قال حفيدة مجاهد عن آخر أيام شيخنا الحبيب علي الطنطاوي:
[ وبات الشيخ في - في آخر أيامه- ينسى بعضاً من شؤون حياته ؛
فيصلي الصلاة مرتين خشية أن يكون نسيها، ولكن الله منّ عليه وأكرمه
بأن حفظ له توقد ذهنه ووعاء ذاكرته حتى آخر يوم من حياته.
وصار يتورع من الفتوى خشية الزلل والنسيان،
وكان حتى الشهر الذي توفي فيه تفتح بين يديه القصيدة لم يرها
منذ عشرات السنين فيُتم أبياتها ويبين غامضها،وربما اختلُف
في ضبط مفردة من مفردات اللغة أو في معناها فيقول هي كذلك،
فنفتح القاموس المحيط ( وهو إلى جواره، بقي كذلك حتى آخر يوم )
فلما كانت آخر السنوات تعب قلبه الكبير فأدخل المستشفى مراراً،
فصار يتنقل بين البيت والمستشفى، حتى فاضت روحه لبارئها
بعد عشاء يوم الجمعة، الثامن عشر من يونيو حزيران، عام 1999
في قسم العناية المركزة بمستشفى الملك فهد بجدة،
ودفن في مكة في اليوم التالي بعدما صُلي عليه في الحرم المكيّ الشريف ]
اللهم ارحمه برحمتك رحمة واسعة ،
اللهم اغفر له وأحسن إليه حيث هو، اللهم أبدله داراً خيراً من داره،
وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة ،
وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار ، آمين يارب العالمين.
1- ذكريات علي الطنطاوي ( 8 أجزاء)
8- صيدالخاطر(تحقيق وتعليق)
23- تعريف عام بدين الإسلام (مترجم للكثير من اللغات )
ولم يكن ما سبق إلا جزءاً يسيراً للغاية من سيرة علي الطنطاوي
( أديب الفقهاء، وفقيه الأدباء )
وللمزيد عن الشيخ الطنطاوي يُرجى الرجوع إلى :
1-ذكرياته التي ستسافرون من خلالها في صفحات من الأدب والعلمو المعرفة والمتعة.
2-كتاب (علي الطنطاوي) لحفيده مجاهد مأمون ديرانية.