و أما أبواب الخير و أسبابه الموصلة إليه فهي :
والمراد به هنا صيام النفل لا صيام رمضان ،
و هو وقاية من النار في الآخرة ؛ لأن المسلم يمتنع فيه عن الشهوات
امتثالاً لأمر الله ، وهذا الامتناع يُضْعِف تحكّم القوى الشهوانية في الإنسان ،
فلا تسيطر عليه، ويصبح بالصوم تقياً نقياً طاهراً من الذنوب .
والمراد بالصدقة هنا غير الزكاة، والخطيئة التي تطفئها وتمحو أثرها
إنما هي الصغائر المتعلقة بحق الله تعالى، لأن الكبائر لا يمحوها إلا التوبة،
والخطايا المتعلقة بحق الآدمي لا يمحوها إلا رضا صاحبها .
وهي صلاة التطوع في الليل بعد الاستيقاظ من النوم ليلاً،
والمراد بـ: صلاة الرجل : صلاة الرجل والمرأة. قال الله تعالى :
{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ
إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ
وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }
و عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
( أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل )
رأس الدين الإسلام وعموده وذروة سَنَامه :
وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى في عيني صاحبه معاذ
حُبَّ الاستزادة من علم النبوة، فزاده معرفة واضحة على طريقة التشبيه
والتمثيل، ولم يُسْمِعْهُ هذه المعارف إلا بعد صيغة السؤال:
ألا أُخْبِرُكَ؟ و هي طريقة تربوية ناجحة تزيد من انتباه المتعلم،
وتجعله سائلاً متلهفاً لمعرفة الجواب ، لا مجرد سامع و متعلقٍّ .
أما هذه المعارف النبوية فهي :
و قد ورد تفسير هذا في حديث معاذ الذي رواه الإمام أحمد ؛
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن رأس هذا الأمر أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
وعموده الصلاة : أي إن الصلاة عماد الدين ، و قِوَامه الذي يقوم به ،
كما يقوم الفُسْطَاط ( الخيمة ) على عموده . و كما أن العمود يرفع البيت
و يهيئه للانتفاع ، فكذلك الصلاة ترفع الدين و تظهره .
و ذروة سنامه الجهاد : أي أعلى ما في الإسلام وأرفعه الجهاد ؛
لأن به إعلاء كلمة الله ، فيظهر الإسلام و يعلو على سائر الأديان ،
و ليس ذلك لغيره من العبادات ، فهو أعلاها بهذا الاعتبار .
ملاك الأمر كله حفظ اللسان : وقد بينَّا أهمية حفظ اللسان وضبطه
( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )
و المراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرّم وعقوباته ،
فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات،
ثم يحصد يوم القيامة ما زرع ، فمن زرع خيراً من قول وعمل حصد الكرامة
و من زرع شراً من قول أو عمل حصد غداً الندامة .
روى الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه
عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
( أكثر ما يُدْخِلُ النار الأجوفان : الفم والفرج )
أفضل أعمال البر بعد الفرائض :
ذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن أفضل أعمال البر بعد الفرائض
العلم ثم الجهاد . و ذهب الشافعي إلى أن أفضل الأعمال الصلاة فرضاً
و نفلاً و قال الإمام أحمد : الجهاد في سبيل الله .
و قد ورد أنه صلى الله عليه و سلم سئل أي الأعمال أفضل ؟
فقال تارة : الصلاة لأول وقتها ، و تارة : الجهاد ، وتارة بِرّ الوالدين ،
و حُمِل ذلك على اختلاف أحوال السائلين ، أو اختلاف الأزمان .
و يفيد الحديث الشريف استرشاد الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم
و عظته لهم ، كما يرشد إلى أن أداء الفرائض الخمس أول ما يعمله العبد
و أنها سبب لدخوله الجنة والبعد عن النار . فضل الجهاد في حفظ الإسلام ،
وإعلاء كلمة الله . خطر اللسان ، و المؤاخذة على عمله ،
و أنه يورد النار بحصائده .
