يا أخي هذا شيء عجيب! هؤلاء مشركون، ولديهم هذه الأخلاق والقيم،
وفي أيامنا والمجتمع مسلم يبيع أباه بمئة ليرة، واللهِ حدثني ضابط بالجمارك،
قال: واللهِ جاءتني تقارير مِن آباء على أولادهم، ومِن أبناء على آبائهم
مضى أبو العاص بالعير وما عليها إلى مكة، فلما بلغها أدَّى لكل ذي حقٍ
حقَّه، ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحدٍ منكم عندي مال لم يأخذه؟
قالوا: لا، وجزاك الله عنا خيراً، فقد وجدناك وفياً كريماً،
قال: أما وإني قد وفّيتُ لكم حقوقكم،
فأنا الآن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله .
-هذا إسلام في الوقت المناسب، بعدما أدى ما عليه،
فالإنسان لا يستغل الدين لمصالحه الشخصية، فلو أسلم لانطبق عليه الحكم
الشرعي، أسلم ومعه أموال الكفار،
إذاً: هي غنائم يأخذها ، لكن يا ترى لو فعل هذا لعَدُّوا هذا غدراً،
ومؤامرة، وشوَّه بذلك سمعة المسلمين بين القبائل-,
ثم قال: واللهِ ما منعي من الإسلام عند محمد صلى الله عليه وسلم
إلا خوفي أن تظنوا أني إنما أردتُ أن آكل أموالكم, ثم خرج حتى قدم
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكرم وفادته ورد إليه زوجته
وكان النبي صلى الله عليه وسلم, يقول عنه:
( أبو العاص حدثني فصدقني، ووعدني فوفَّاني )
الاستنباطات التي يمكن أن نستفيدها من قصة أبي العاص :
قبل أن ينتهي الدرس هناك سؤال، ما هي الاستنباطات التي يمكن
أن تفيدنا في حياتنا اليوم من هذه القصة:
1- لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له، هذا استنباط .
2- المشاورة تجعل قلوب الناس تهفو إليك، أمّا التفرد بالرأي
3- البيان يبيِّن الملابسات، مرة حدثني أخ يسافر للمحافظات في عمله
التجاري، فنسي وثيقة في المحل، تذكرها الساعة الثانية عشرة ليلاً ،
فركب مركبته، وانطلق إلى محله التجاري، وكان ضمن سوق مغلق،
وله حارس، رأى هذا الحارس رجلاً يأتي في منتصف الليل ليفتح محله
التجاري، الذي يشاركه فيه تاجر،
قال له: أيها الأخ, أنا نسيت ورقة أساسية، وجئتُ لآخذها، حتى لا يظن شيئًا،
بيِّن للحارس، فإذا بينت ينتهي الأمر دون ظنون أو شكوك،
فلو لم يبيِّن للحارس فقد يتّهمه شريكه، ويقع في مشاكل،
4- أيضاً السيدة زينب أجارت أبا العاص، لكن النبي بيّن الحكمَ الشرعي،
لم يرفض العمل الصالح، لكن نبهَّها إلى أن هذا الرجل لا يحل لك،
أنا أعرف أناسًا كثيرين قاربوا أن يطلقوا زوجاتهم لخصومة وقعت بينه
وبين أهل زوجته، هذا عمل غير أخلاقي، القاعدة الأساسية:
ولا تزر وازرة وزر أخرى، نشأت خصومة مع والدها، مع أمها، مع أخيها،
من أجل هذه الخصومة تطلقها أو تسيء إليها .
5- وهذه فقرة فيها إيضاح لغوي لا بد منه, كلمة ( قُمّة ) صوابها ( قِمّة )،
القُمة هي القُمامة، والفرق كبير جداً بين القُمة وبين القِمة،
فإياك أن تغلط هذه الغلطة، الأخ الكريم, يقول: إن قِمة العفو مع قِمة القوة .
6- أمّا موقفه الأخلاقي لأبا العاص، حينما ردّ الأموال عُرف أنّ المسلم
إنسان صادق، وكذلك أنه رَفَض أنْ يطلق زوجته، فأحبَّه النبي،
وكان موقف النبي متعاطفًا معه, فما السبب؟ لأنه وقف موقفًا أخلاقيًّا
أنت قد تتعامل مع ناس ليس فيهم دين فكُنْ ذكيًّا، إذا وقفت موقفًا أخلاقيًّا
منهم، هو لا يصلي، هو لا يصوم، وربما يشرب الخمر،
لكنّه يبقى إنسانًا، فإذا أخذت موقفًا أخلاقيًّا فقد تكسبه.
إليكم هذه القصص عن رجال ونساء اعتنقوا الإسلام
من خلال حسن سلوك أبنائه :
حدثني أخ كان في بلد عربي، وفيه حركة هداية للإسلام،
منها توبة بعض الفنانات، وقد وجدتُ في معرَض مكتبة الأسد كتيبًا
عن الفنانات المحجَّبات، امرأة كانت راقصة، ثم تتوب، وتتحجب حتى الوجه،
فقرأت الكتاب، لفت نظري أن واحدة سئلت, ما الذي دفعك إلى أن تتوبي؟
فقالت: أنا حينما زرت صديقاتي اللواتي سبقنني إلى التوبة،
وجدت مجتمعهن مجتمعاً مثاليًّا، فيه الصدق، وفيه الحب، وفيه التناصح،
وفيه السعادة، وبينما أعيش في مجتمعٍ يسوده الكذب، والطعن ، والريبة،
والشقاء، وفي بالقصة مغزى عميق فمَن يكشفه لنا؟ لماذا أسلمت؟
لأنها وجدت مجتمع زميلاتِها التائباتِ أرقى بكثير من مجتمعها هي،
ومغزى آخر لم أُشِرْ إليه، فلو أن هؤلاء المسلمات التائبات رفضنها
وطردنها لما عرفت الحقيقة، ولمَا تمادتْ في الضلال .
فأنت كمسلم، لا تعادِ شخصًا بلا دين، ادعُ الله أن يعافيه،
وخاصّة إذا لم يكن معاديًا لك ، فكنْ أخلاقيًّا أمامه، ليرى مَن هو المسلم؟
الإنسان الصادق، الأمين، الأخلاقي، المتواضع، الذكي، المتفوق بعمله،
فلعل هذا يبصِّره بحقيقة الإسلام .
يقولون: إن روجي جارودي، هذا زعيم الحزب الشيوعي بفرنسا،
أسلم ، فهل تصدقون أن سبب إسلامه يعود إلى أربعين سنة سابقة؟
هذا وقع أسيراً في الحرب العالمية الثانية، وجاء أمرٌ بقتله،
الأمر جاء لجندي مغربي مسلم، هذا الجندي المغربي المسلم,
قال له: أنا مسلم، وديني يمنعني أن أقتل الأسير، فاهرب،
ما الذي أنجاه من الموت؟ الذي أنجاه من الموت المحقَّق
أنّ هذا الجندي المغربي أبلغه أن الإسلام يمنعنه مِن قتل الأسير،
وهذا الموقف الأخلاقي تفاعل مع هذا الإنسان أربعين عاماً،
حتى حمله على أن يصبح مسلماً، وجاء إلى الشام، وله كتب كثيرة
وأنت يمكن أن تنقذَ أيَّ إنسان حولك ليس فيه دين إطلاقاً، فكنْ معه صادقًا،
وفيًّا، مخلصًا، كن معه متقنًا لعلمك، فبذلك كلِّه يمكنك أنْ تُلفِت نظره .
في أثناء أداء فريضة الحج العام الماضي ذكروا لي أن حاجًّا ألمانيًّا
سألوه عن سبب إسلامه, فقال:
طالب سوري كان عنده في البيت، ولهذا الرجل الألماني فتاة جميلة،
وليس عنده مانع أنْ تكون صديقة لهذا الطالب السوري،
والأمور عندهم سهلة جداً، من غير تكلُّف، فلذلك لفت نظره أن هذا الطالب
ما نظر إلى ابنته أبداً، تمنَّى أن ينظر إليها فيعنِّفه، وأخيرًا سأله:
فقال: ديني يمنعني أن أنظر إليها .
المغزى الأساسي أن النبي الكريم يعرفه أنه مشرك، ويعرف أنّه جاء ليقاتله،
رغم ذلك أعلمه أنني لا أنسى موقفك الأخلاقي السابق، قال:
( واللهِ ما ذممناه صهراً )
فلما وقع أسيراً أحسن إليه، فَمَلَكَه بهذا الإحسان، إن رأيتم أن تردوا له
ماله فافعلوا، هذا مما أحبَّ أنْ يفعله أصحابه، المواقف الأخلاقية
تفاعلت إلى أن حملته على الإسلام، الآن بالعكس، تتعامل مع مسلم فيسبِّب
لك مشكلة، ويكذب عليك، ويغشك، فيبدو من خلال أفعالِه هذه أنّ الدين باطل،
وأن الدين كله خلط، فأنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك،
أنت سفير تمثل المسلمين، فكن ملتزمًا بدينك تكنْ داعيةً للإسلام،
لفضيلة الشيخ محمد النابلسي