حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَقَ الْهَمْدَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ رضى الله تعالى عنهم اجمعين
عن أم المؤمنين أمنا السيدة / أُمِّ سَلَمَةَ / رضى الله تعالى عنهاَ قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ
وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ
فَإِنْ قَضَيْتُ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ
فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا (
قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله تعالى عنه
وَ أم المؤمنين أمنا السيدة / عَائِشَةَ/ رضى الله تعالى عنها و عن أبيها
قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ
أم المؤمنين أمنا السيدة / أُمِّ سَلَمَةَ / رضى الله تعالى عنهاَ
قَوْلُهُ : ( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ )
أَيْ : تَرْمُونَ الْمُخَاصَمَةَ إِلَيَّ ( وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ) أَيْ : كَوَاحِدٍ مِنَ الْبَشَرِ
- فِي عَدَمِ عِلْمِ الْغَيْبِ
قَالَ النَّوَوِيُّ : مَعْنَاهُ التَّنْبِيهُ عَلَى حَالَةِ الْبَشَرِيَّةِ ،
وأَنَّ الْبَشَرَ لَا يَعْلَمُونَ منْ الْغَيْبِ
وَبَوَاطِنِ الْأُمُورِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يُطْلِعَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
وأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ فِي أُمُورِ الْأَحْكَامِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ
وأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِالظَّاهِرِ - في القضاء
وَلَا يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ فَيَحْكُمُ بِالْبَيِّنَةِ وَبِالْيَمِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
مِنْ أَحْكَامِ الظَّاهِرِ مَعَ إِمْكَانِ كَوْنِهِ فِي الْبَاطِنِ خِلَافَ ذَلِكَ
ولَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَطْلَعَهُ عَلَى بَاطِنِ أَمْرِ الْخَصْمَيْنِ فَحَكَمَ بِيَقِينِ
نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى شَهَادَةٍ ، أَوْ يَمِينٍ . لَكِنْ لَمَّا
أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أُمَّتَهُ بِاتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ
وَأَحْكَامِهِ أَجْرَى لَهُ حُكْمَهُمْ فِي عَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى بَاطِنِ الْأُمُورِ
لِيَكُونَ حُكْمُ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ حُكْمَهُ ، فَأَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى أَحْكَامَهُ
عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ لِيَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ . انْتَهَى
( وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ )
وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ : وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ
قَالَ الْحَافِظُ : أَلْحَنُ بِمَعْنَى أَبْلَغَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَحِنَ بِمَعْنَى فَطِنَ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ
، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَفْطَنَ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ فِي حُجَّتِهِ مِنَ
( فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ مِنَ النَّارِ )
وفِي بَعْضِ النُّسَخِ ( قِطْعَةً مِنَ النَّارِ ) أَيْ : الَّذِي قَضَيْتُ لَهُ بِحَسَبِ
الظَّاهِرِ إِذَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَهُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ يَئُولُ بِهِ إِلَى النَّارِ
وقَوْلُهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ تَمْثِيلٌ يُفْهَمُ مِنْهُ شِدَّةُ التَّعْذِيبِ عَلَى مَنْ يَتَعَاطَاهُ
فَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا
قَالَ النَّوَوِيُّ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ
لِمَذْهَبِ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَفُقَهَاءِ
الْأَمْصَارِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ، أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ
الْبَاطِلَ ، وَلَا يُحِلُّ حَرَامًا . فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ ، فَحَكَمَ بِهِ
الْحَاكِمُ ، لَمْ يَحِلُّ لِلْمَحْكُومِ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ ، ولَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَتْلٍ لَمْ
يَحِلَّ لِلْوَلِيِّ قَتْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا ، وإِنْ شَهِدَا بِالزُّورِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ
لَمْ يَحِلَّ لِمَنْ عَلِمَ بِكَذِبِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ ،
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : يُحِلُّ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْفُرُوجَ دُونَ
الْأَمْوَالِ فَقَالَ : نُحِلُّ نِكَاحَ الْمَذْكُورَةِ ، وهَذَا مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ
الصَّحِيحِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ ، وَمُخَالِفٌ لِقَاعِدَةٍ وَافَقَ هُوَ وَغَيْرُهُ عَلَيْهَا ،
وَهِيَ أَنَّ الْأَبْضَاعَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنَ الْأَمْوَالِ . انْتَهَى
قَوْلُهُ : ( و فِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضى الله تعالى عنهَ
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِنَحْوِ حَدِيثِ الْبَابِ
(وَ أم المؤمنين أمنا السيدة / عَائِشَةَ / رضى الله تعالى عنها و عن أبيها)
لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ أم المؤمنين أمنا السيدة / أُمِّ سَلَمَةَ / رضى الله
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَلَهُ أَلْفَاظٌ