فالِبر والتقوى يبسط النفس، ويشرح الصدر بحيث يجد الإنسان في نفسه
اتساعاً وبسطاً عما كان عليه قبل ذلك، فإنه لما اتسع بالبر والتقوى
والإحسان بسطه الله وشرح صدره، والفجور والبخل يقمع النفس ويضعها
ويهينها، بحيث يجد البخيل في نفسه أنه ضيق.
ولو لم يكن في الصدقة إلا فائدة انشراح الصدر وحدها لكان العبد حقيقاً
بالاستكثار منها والمبادرة إليها
{وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}
وقد وردت أحاديث كثيرة تحث على الإنفاق وتبين فضله، منها
( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان
فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفا ،
ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفا )
شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم المُنفق والبخيل برجلين أراد كل واحد منهما
أن يلبس درعه، وحاول أن ينزله من رأسه على جسمه، أما المنفق فلبِسَه
بسهولة ويُسر فستر كل جسده، وأما البخيل فصعُب عليه ذلك، حيث أدخله
في رأسه، وعندما أدخل يديه في كمه، لم يستطع إنزاله على باقي جسده،
فضاق عليه، وأصبحت يداه مربوطتين إلى عنقه.
ووجه الشبه: الاتساع وسهولة الحركة والحماية للمنفق والمتصدق،
والضيق وصعوبة الحركة وعدم الحماية في البخيل.
فمنها: أن الصدقة سبب مباشر من أسباب السرور والطمأنينة
ذلك أن الله تعالى يُخلفُ نفقة المنفق فيفرح بذلك، كما يفرح عند فرح الآخرين
الذين لا يفتأون يدعون له بالخير.
ومنها: أن البخل سبب مباشر من أسباب الضيق والقلق، وقد يلمس ذلك
في تعامل البخيل مع أهله وولده، إذ يضيِّق عليهم فيختلفون معه
وتحدث المشاكل فيحصل الضيق والضجر، بل غير مستبعد أن يعاني البخيل
نفسه مع نفسه؛ إذ يعمل على حرمان نفسه بدافع المحافظة على المال،
فيعيش حياة شقية ضيقة، ولا يوسع على نفسه، فيكون بخله سبب ضيقه وتعبه.
ومنها: أن الجزاء من جنس العمل؛ إذ إن البخيل تضيق عليه جبته جزاء
بخله، والمتصدق تتسع عليه جبته جزاء إنفاقه، وما أجمل هذا التشبيه
وأصدقه على حال البخيل وما يعاني منه، حيث إنه ضيِّق الصدر، محروم
من الانشراح، صغير النفس، قليل الفرح، كثير الهم والغم والحزن
لا تكاد تُقضى له حاجة، ولا يعان على مطلوب، وكذلك درع المتصدق
فإنه كان واسعاً مريحاً؛ إذ الصدقة فيها توسعة على الآخرين
بينما كان درع البخيل ضيَّقًا، إذ ضيَّق على نفسه وعلى الآخرين ببخله
وامتناعه عن الإحسان والبر والخير.
ومنها: أن أحق الناس بالتوسعة والنفقة هم الأهل، حيث بيّن الحديث
أن الدرع أقرب ما تكون إلى الجسد، وأقرب الناس للشخص أهله وذووه.
ومنها : أن الصدقة وقاية من آفات الدنيا وعذاب الآخرة لذا شبهت بالدرع
قال الإمام الماوردي رحمه الله: "قد يحدث عن البخل من الأخلاق المذمومة
-وإن كان ذريعة إلى كل مذمة- أربعة أخلاق ناهيك بها ذمًّا
وهي: الحرص، والشره، وسوء الظن، ومنع الحقوق، وإذ آل البخيل
إلى ما وصفنا من هذه الأخلاق المذمومة والشيم اللئيمة، لم يبق معه خير