الأخت الزميلة / نـــانـــا
العلاقة بين القراءة والكرامة
( طبيب جراح ومفكر عربي سوري يعيش في الغـرب )
علمنا التاريخ أن هناك علاقة بين ( القراءة ) و ( الكرامة )
وأشارت أول سورة نزلت من القرآن الى هذه العلاقة الخفية المثيرة
{ اقرَأْ وَربُّكَ الأَكْرَمُ}؛
فالقراءة تعني العلم، والعلم يعني الفهم،
والفهم يعني الارتفاع والسيطرة والتحرر والقوة وبالتالي الكرامة،
كما اكتشف ذلك فيلسوف التنوير فرانسيس بيكون.
بالعلم يرتفع الإنسان، ومن الجهل تتولد الحيرة والاستبداد،
كما حرر ذلك الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد ).
أن الجهلة يتنازعهم العلماء والطغاة؛ فإما حرروهم أو استعبدوهم
ولا يمكن لشعب واعي أن يعـلو ظهره طاغية، وتسقط الأمم بسقوط ثقافتها.
إن أول كلمة نزلت في القرآن كانت : اقرأ
وأول جملة في الإنجيل أشارت إلى أن بدء الأشياء هو ( الكلمة ) :
وذكر العهد القديم علاقة الفهم بالقوة فقال : أنا الفهم ولي القوة
وعُـرف اليوم أن كتاب الخليقة،
الذي بموجب تعليماته نتكون " الشفرات الوراثية "،
يضم بين دفتيه ثلاثة مليارات حرف، في لغة سرية من أربع حروف،
توحي بإذن ربها ما تشاء في تشكيل الجسم وما حوي.
وكل مستوى في الوجود مكتوب بلغته الخاصة
العلم يفاضل بين أقدار الناس ومصائر الأمم، وأعظم الأمم هي أكثرها قراءة
قال التاريخ هذه الحقيقة بصور شتى :
فتوحات الأسكندر المقدوني وهيمنة الحضارة الهلينستية
وأثرها حتى اليوم على الحضارة الإنسانية
والنظم السياسية التي تحكم الشعـوب
جاء الفكر ومنهجية تنظيم العقل، وتحريره من الفوضى والعبثية
وتكرر هذا الشيء للرومان والمسلمين. ويتكرر اليوم للامريكان واليابانيين
والألمان والكنديين وأهل الصين وماليزيا..
فهنا معتق الانبعاث وساحة الخلاص
وفي يوم كان العرب أمة قراءة
واليوم يعيشون عصر الظلمات والجملوكيات والمخابرات والانقلابات
والاجتماعات للمؤامرات والثورات في عدد مرعـب من الأميين
وتعلو الأمة الأمريكية واليابانية بفعل القراءة والعلم والفكر؛
وتعلم الأمريكيون أكثر مع صدمة السبوتنيك ،
عندما سبقهم الروس الى الفضاء
أكبر نسبة من القراء والعلماء والمؤسسات العلمية ومصارف المال
وبراءات الاختراع وجوائز نوبل وميداليات الأوليمب
واليوم يوجد ما يزيد عن نصف مليون بحث في مكتب براءة الاختراع
في أمريكا ينتظر الدراسة، ومنها ما تقدمت به الأبحاث الحديثة
ووصلت إلى فك ( الجينوم البشري ) ،
وبعـده الشمبانزي بل وإنسان نياندرتال البدائي ،
ثم تلاه مشروع جدا طموح لمسح كل الكائنات الحية،
ووضع اليد على أثمن ما في الوجود قاطبة،
بما هو أثمن من بحار البترول وجبال الألماس،
لأنه الاكتشاف الجديد للإنسان؛ فمنه سيتم قهر السرطان والايدز،
ومنه سيتم مسح ثمانمائة مرض وراثي،
ومنه سيتم كشف كامل الخارطة الوراثية عند الإنسان،
ومعرفة ما هو الإنسان فعلاً على الأقل في المستوى البيولوجي،
وهي أبحاث ستشغل العلماء في مدى 300 سنة القادمة.