{ فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا
وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا }
وقال لرسوله صلى الله عليه وسلّم:
{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً , لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ
وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ
وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً , وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً , }
{ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا }
{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا }
ففضله هدايته, ورحمته انعامه واحسانه اليهم وبره بهم.
{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى }
والهدى منعه من الضلال, والرحمة منعته من الشقاء, وهذا هو الذي ذكره
{ طه. مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}
, فجمع له بين انزال القرآن عليه ونفى الشقاء عنه, كما قال في آخرها في حق أتباعه:
{ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى }
فالهدى والفضل والنعمة والرحمة متلازمات لا ينفك بعضها عن بعض,
كما أن الضلال والشقاء متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر
{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ }
والسعر جمع سعير وهو العذاب الذي في غاية الشقاء
{ إوَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ
لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا
وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا
أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }
{ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ }
ومن هذا أنه سبحانه يجمع بين الهدى وانشراح الصدر والحياة الطيّبة
وبين الضلال وضيق الصدر والمعيشة الضنك
{ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ
وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً }
{ أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ }
وكذلك يجمع بين الهدى والانابة والضلال وقسوة القلب
{ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ.. }
{ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ }
الهدى والرحمة وتوابعهما من صفة العطاء
والهدى والرحمة, وتوابعهما من الفضل والانعام, كله من صفة العطاء,
والاضلال والعذاب, وتوابعهما من صفة المنع, وهو سبحانه يصرف خلقه
بين عطائه ومنعه, وذلك كله صادر عن حكمة بالغة, وملك تام, وحمد تام,
