قال الأصمعي : بينما أنا أطوف بالبيت ذات ليلة
إذ رأيت شابًا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول :
يا من يجيب المضطـر في الظلـم يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حـول البيـت وانتبهـوا وأنـت يـا حـي يـا قـيـوم لــم
أدعـوك ربـي حزيـنًـا هائـمًـا قلـقًـا فارحم بكائي بحق البيـت
إن كان جـودك لا يرجـوه ذو سفـه فمن يجود على العاصين بالكرم
***
ثم بكى بكاءً شديدًا وأنشد يقول :
ألا أيهـا المقصـود فـى كـل
ألا يـا رجائـي أنـت تكـشـف
أتــيــت بـأعـمــال قــبـــاح رديــئـــة وما فى الورى عبـد جنـى
أتحرقـنـي بالـنـار يــا غـايـة
***
يقول الأصمعي : فدنوت منه .... فإذا هو زين العابدين
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ...
فقلت له : سيدي ما هذا البكاء والجزع ..
وأنت من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ؟
أليس الله تعالى يقول :
{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }
[ الأحزاب : 33 ]
فقال : هيهات هيهات يا أصمعي إن الله خلق الجنة لمن أطاعه ..
ولو كان عبدًا حبشيًا ... وخلق النار لمن عصاه ولو كان حرًا قرشيًا ...
أليس الله تعالى يقول:
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَبَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ {101}
فَمَن ثَقُلَتْمَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {102}
وَمَنْ خَفَّتْمَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِيجَهَنَّمَ خَالِدُونَ}
[ المؤمنون : 101 – 103 ]

( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(إن في الجنة غرفاً ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها
فقام أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله فقال:
لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم :
فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفّدت الشياطين)
يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر
أقبل وتزوّد من الخير في شهر الطاعة.. تزوّد من العبادة ..
الزاد الثمين الغالي في هذه الحياة .. الزاد الذي يصلك بالله .. يأتي منه المدد.
هذه الصلة التي تطهر القلب وتزكيه.
§ الصلة : التي تسمو بالروح فيسري فيها نور الله المبين،
§ الصلة : التي تجدد العزيمة، حين يطول ليل من الحزن والضيق.
يا باغي الشر أقصر ... أقصر فإن العمر قصير مهما طال .
الأمل يلهي، والمطامع تغري، والعمر يمضي، والفرصة تضيع.
ألا إن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدًا السباق،
ألا وإن الآية النار، والسابق من سبق إلى الجنة..
فإن الموت قريب ومن ثم ينتهي بك الأمر إلى شر مصير،
فلا تغرنك الحياة الدنيا عن الاستجابة لنداء الله ورسوله..
يا باغي الشر أقصر .. يا باغي الشر أقصر ..
الحساب يقترب والناس في غفلةٍ معرضون.
معرضون عن الهدى، والموقف جدّ وهم لا يشعرون،
فهذا رمضان، شهر المغفرة والرحمة والاستغفار.
ولا تلهو في أخطر المواقف، وتهزل في مواطن الجد ،
أقصر فإن الله يحيي القلوب الميتة، ويفتح الأفئدة المغلقة لأنوار الحق ،
وجول العين والقلب في رحمة الله التي وسعت كل شيء ،
فرمضان صورة الرحمة يطالعها القلب، وتلمسها الروح ،
فترتاح النفس المتعبة على مقاعد السكينة ،
وتهدأ الأنفاس المتواترة بين يدي الرحمن ،
فيغمر الإنسان ذلك الجوار الرضي، ويطمئن في ذلك الحمى الآمن.

إن زادت الآهات واشتدت الأزمات ،،
فاللَّهم يافاطر السَّماوات ، وكاشف
الظُّلمات ، ارزقنا نطقها عند الحاجات
ونجنا بها بعد الممات ،،