َيَجْتَمِعُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ :
أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ - في العمري - فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلِعَقِبِهِ .
ثَانِيهَا أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ فَإِذَا مُتَّ رَجَعَتْ إِلَيَّ - في العمري - ، فَهَذِهِ
عَارِيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ ، فَإِذَا مَاتَ رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي أَعْطَى
وَقَدْ بَيَّنَتْ هَذِهِ وَالَّتِي قَبْلَهَا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ،
وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ :
لَا تَرْجِعُ إِلَى الْوَاهِبِ ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَلُغِيَ
ثَالِثُهَا أَنْ يَقُولَ أَعْمَرْتُكَهَا ، وَيُطْلِقُ - في العمري
فَرِوَايَةُ أَبِي الزُّبَيْرِ رضى الله تعالى عنهما هَذِهِ
يَعْنِي بِهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ :
جَعَلَ الْأَنْصَارُ يُعْمِرُونَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ ، وَلَا تُفْسِدُوهَا فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ
لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ
تَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْأَوَّلِ ، وَأَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى الْوَاهِبِ
وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَالْجُمْهُورِ
وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ : الْعَقْدُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ ، وعَنْهُ كَقَوْلِ مَالِكٍ
وقِيلَ الْقَدِيمُ عَنِ الشَّافِعِيِّ كَالْجَدِيدِ ، وقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّ قَتَادَةَ
حَكَى أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
أَعْنِي صُورَةَ الْإِطْلَاقِ فَذَكَرَ لَهُ قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ، وَغَيْرِهِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ ،
وَذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ بِذَلِكَ ، قَالَ وَذَكَرَ لَهُ
عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِثْلَ ذَلِكَ ، قَالَ : فَقَالَ الزُّهْرِيُّ إِنَّمَا الْعُمْرَى أَيْ : الْجَائِزَةُ إِذَا أُعْمِرَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ
مِنْ بَعْدِهِ . فَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ عَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ كَانَ لِلَّذِي يَجْعَلُ شَرْطَهُ
قَالَ قَتَادَةُ : وَاحْتَجَّ الزُّهْرِيُّ بِأَنَّ الْخُلَفَاءَ لَا يَقْضُونَ بِهَا
فَقَالَ عَطَاءٌ : قَضَى بِهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ .