قد سئل بعض السلف عن قوم يجتهدون في شهر رمضان،
فإذا انقضى ضيعوا وأساءوا، فقال:
بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان،
نعم لأن من عرف الله خافه في كل الزمان.
وبعض الناس قد يصوم رمضان ويصلي فيه ويُظهر الخير ويترك المعاصي
لا إيمانا واحتسابا، وإنما يفعل ذلك من باب المجاملة والمجاراة للمجتمع،
لأنه يعتبر هذا من التقاليد الاجتماعية، وهذا هو النفاق الأكبر
فإن المنافقين كانوا يراءون الناس فيما يتظاهرون به من العبادة.
وهذا يعتبر شهر رمضان سجنا زمنيا ينتظر انقضاءه لينقض على المعاصي
والمحرمات، يفرح بانقضاء رمضان لأجل الإفراج عنه من سجنه.
روى ابن خزيمة في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه :
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( أظلكم شهركم هذا بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ما مر بالمسلمين شهر خير لهم منه، ولا مر بالمنافقين شهر شر لهم منه،
بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم،
إن الله ليكتب أجره ونوافله قبل أن يدخله ويكتب وزره وشقاءه
قبل أن يدخله، وذلك أن المؤمن يُعد فيه القوت والنفقة لعبادة الله،
ويعد فيه المنافق اتباع غفلات المؤمنين واتباع عوراتهم
فغنم يغنمه المؤمن )
الحديث
[ أخرجه ابن خزيمة في صحيحه رقم 1884،
وأحمد في المسند 2 / 524، والبيهقي في سننه الكبرى 4 / 304
وشعب الايمان 7 / 214 ـ 215 رقم 3335].
والمؤمن يفرح بانتهاء الشهر لأنه استعمله في العبادة والطاعة
فهو يرجو أجره وفضائله، والمنافق يفرح بانتهاء الشهر
لينطلق إلى المعاصي والشهوات التي كان مسجونا عنها في رمضان،
ولذلك فإن المؤمن يتبع شهر رمضان بالاستغفار والتكبير والعبادة.
والمنافق يتبعه بالمعاصي واللهو وحفلات الغناء والمعازف والطبول فرحا
بفراقه، فاتقوا الله عباد الله وودعوا شهركم بالتوبة والاستغفار.
وصلى الله على نبينا محمد.
حديث اليوم
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ :
سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضى الله عنه يَقُولُ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
( كُلُّ أَمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ،
وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ،
فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ،
وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ )
قطوف
قَالَ بَعْضُ الْسَّلَفِ :
[ قَدْ أَصْبَحَ بِنَا مِنْ نِعَمِ الْلَّهِ تَعَالَىْ مَا لَا نُحْصِيْهِ مَعَ كَثْرَةِ مَا نَعْصِيَهِ
فَلَا نَدْرِيْ أَيَّهُمَا نَشْكُرُ، أَجَمِيلُ مَا يَنْشُرُ أَمْ قَبِيْحَ مَا يَسْتُرُ..؟! ]
ذكرى
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
( كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا
فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ
إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟
فَقَالَ: لَا فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً.
ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ
فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟
فَقَالَ: نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ, انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا
فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ
فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ.
فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ
وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ,
فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ,
وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ.
فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ.
فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ,
فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ )
متفق عليه
خاطرة
إياك أن تعود
قال تعالى:
{ وَلِتُكْملُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
يا من أعتقه مولاه من النار !
إياك أن تعود -بعد أن صرت حراً- إلى رق الأوزار،
أيبعدك مولاك عن النار وأنت تتقرب منها؟
وينقذك منها وأنت توقع نفسك فيها ولا تحيد عنها؟!
غداً تُوفّى النفوس ما كسبت ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم وإن أساءوا فبئس ما صنعوا

إن زادت الآهات واشتدت الأزمات ،،
فاللَّهم يافاطر السَّماوات ، وكاشف
الظُّلمات ، ارزقنا نطقها عند الحاجات
ونجنا بها بعد الممات ،،