وَقَدْ وَرَدَ في صَحيحِ الْبُخَارِيِّ
( أَنَّ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ وَهُمْ كُفَّارٌ مِنْ بَني ءادَمَ-
الْبَشَرُ بِالنَّسْبَةِ إِلَيْهِمْ كَوَاحِدٍ إِلى أَلْفٍ )
وَأَنَّهُ يُوجَدُ خَلْفَهُمْ ثَلاثُ أُمَم مَنْسَك وَتَاوِيل وَتَارِيسكُلُّ هَؤُلاءِ
لَوْ كَانَ حِسَابُهُمْ بِالسُّؤالِ بِكَلامٍ هُوَ لُغَةٌ وَحُرُوفٌ وَأصْواتٌ
لأَكَلَ الْحِسَابُ زَمَانًا طَويلاً جِدًّا
وَلَكَانَ ذَلِكَ ضِدّ قَوْلِ اللهِ تعالى
{ أَسْرَعُ الْحَاسِبينَ }
الَّذي مَعْنَاهُ أَنَا أَسْرَعُ مِنْ كُلِّ حَاسِبٍ.
وَالدَّليلُ عَلَى أَنَّ كُلَّ الْعِبَادِ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ في الآخِرَةِ
لِلْحِسَابِ مَا جَاءَ في صَحيحِ الْبُخَارِيِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال
( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ وَلا حجابٌ يحجبُه )
أَمَّا مَا وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
( ثلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
فَلَيْسَ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِذلِكَ الْحَديثِ الصَّحيحِ حَديثِ الْبُخَارِيِّ
لأَنَّ مَعْنَى { لا يُكَلِّمُهُمْ } هُنَا لا يَسْمَعُونَ كَلامَهُ
فَيَفْرَحُونَ لا أَنَّهُمْ لا يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ التَّقِيَّ في الآخِرَةِ
إِذَا سَمِعَ كَلامَ اللهِ يَفْرَحُ وَالْكَافِرَ يَغْتَمُّ وَيَحْزَنُ
وَمَعْنى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم
( وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ )
أَيْ لا يُكْرِمُهُم فَاللهُ تعالى لَهُ صِفَةُ الْبَصَرِ بَصَرُهُ وَاحِدٌ أَزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ
لَيْسَ بِآلَةٍ وَلَيْسَ كَبَصَرِ غَيْرِهِ يَرى بِبَصَرِهِ كُلَّ مَا يُرَى.
أَمَّا قَوْلُ اللهِ تعالى
{ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ فَإِذَا قَرَأنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءانَه ُ}
فَمَعْنَاهُ يَا مُحَمَّدُ لا تَقْرَإِ الْقُرْءَانَ أَثْنَاءَ تِلاوَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْكَ خَشْيَةَ
أَنْ يَنْفَلِتَ مِنْكَ نَحْنُ ضَمِنَّا لَكَ أَنْ لا يَنْفَلِتَ مِنْكَ
فَإِذَا جَمَعْنَاهُ لَكَ في صَدْرِكَ { فَاتَّبِعْ قُرْءانَهُ } أَيْ فاعْمَلْ بِهِ
وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ تعالى
{ فَإِذَا قَرَأنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءانه }
أَيْ فَإِذَا قَرَأهُ جِبْرِيلُ عَلَيْكَ بِأَمْرِنَا فَاتَّبِعْ قِرَاءتَهُ،
كَمَا في قَوْلِ اللهِ تعالى
{ فَنَفَخْنَا فيهِ مِنْ رَوحِنا }
أَيْ أَمَرْنَا الْمَلَكَ جِبْرِيلَ
فَنَفَخَ في فَمِ مَرْيَمَ رُوحَ عِيسى الذي هو مشرف عندنا بِأمْرٍ مِنَ اللهِ.
{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كريم }
فَفيهِ دَلِيلٌ عَلى أَنَّ هَذَا الْقُرْءانَ الْمُنَزَّلَ هُوَ مَقْرُوءُ جِبْريلَ
لأَنَّ اللهَ لا يُسَمَّى رَسُولاً كَريْمًا وَالدَّليلُ على أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ جِبْريلُ
قَوْلُهُ تعالى بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ
{ ذِي قُوَّةٍ عِنْذَ ذِي الْعَرْشِ مَكين }
أَيْ جِبْرِيلُ قَوِيٌّ وَلَهُ دَرَجَةٌ عَالِيَةٌ عِنْدَ خَالِقِ الْعَرْشِ أَيِ الله
أَيْ يُطِيعُهُ الْمَلائِكَةُ في السَّمَاواتِ
فَهُوَ رَئيسُهُم وَهُوَ رَسُولُ الْمَلائِكَةِ وَأفْضَلُهُم.