وكان عبد الله من أهل التقوى والورع والعلم ،
وكان مع علمه الشديد يتحرى في فتواه، ويخاف أن يفتي بدون علم ،
وقد جاءه يومًا رجل يستفتيه في شيء ،
فأجابه معتذرًا : لا علم لي بما تسأل عنه، ثم فرح
وقال : سئل ابن عمر عما لا يعلم فقال : لا أعلم .
وقال عنه ميمون بن مهران : ما رأيت أتقى من ابن عمر.
وكان كارهًا لمناصب الدنيا، خائفًا من تحمل أعبائها ،
وقد أرسل إليه عثمان بن عفان -رضي الله عنه - ،
وعرض عليه منصب القضاء فرفض ابن عمر،
وكان عبد الله يحب الحق ويكره النفاق ،
وقد جاء إليه عروة بن الزبير بن العوام وقال له : يا أبا عبد الرحمن ،
إنا نجلس إلى أئمتنا هؤلاء فيتكلمون بالكلام ،
ونحن نعلم أن الحق غيره فنصدقهم ،
ويقضون بالجور ( أي يحكمون بين الناس بغير الحق )
فنقويهم ونحسنه لهم، فكيف ترى في ذلك ؟!
فقال ابن عمر لعروة : يا بن أخي، كنا مع رسول الله نعدَّ هذا النفاق ،
( وذات يوم كان رجلٌيمدحُابنَعمرَقال :
فجعلابنُعمرَيقولُ هكذا يحثوفيوجهِهالترابَ
قالسمعتُرسولَاللهِ - صلَّىاللهُعليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ – يقول :
إذارأيتمُالمداحينَفاحثُوافيوجوهِهمالترابَ )
وكان رقيق القلب، حسن الطباع، لا يسمع ذكر النبي إلا بكى ،
وما كان يمر بمسجده وقبره, إلا بكى حبًّا وشوقًا إليه .
وكان حسن الخلق لم يلعن خادمه قط، ولم يسَبَّ أحدًا طوال حياته ،
وقد ارتكب خادمه خطأ ذات مرة فهمَّ أن يشتمه، فلم يطاوعه لسانه ،
وندم على ما همَّ به فأعتقه لوجه الله تعالى، وكان قارئًا للقرآن، خاشعًا لله ،
وكلما قرأ أو سمع آية فيها ذكر القيامة
بكى حتى تبتل لحيته من كثرة الدموع ،
فعن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ :
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}
وكان يعظم صحابة النبي ويعرف قدرهم ،
وكان يخرج إلى السوق من أجل السلام على المسلمين فقط ،
وكان كثير التصدق وجوادًا كريمًا يكثر الإنفاق في سبيل الله ،
وكان إذا أحب شيئًا أو أعجب به أنفقه في سبيل الله ،
وكان من أشد الناس زهدًا في نعيم الدنيا، ومن أحسن الناس حبا لفعل الخير،
فيحكى أنه كان مريضًا فقال لأهله : أني أشتهي أن آكل سمكًا
فأخذ الناس يبحثون له عن سمك فلم يجدوا إلا سمكة واحدة بعد تعب شديد ،
فأخذتها زوجته صفية بنت أبي عبيدة فأعدتها ،
ثم وضعتها أمامه فإذا بمسكين يطرق الباب ،
فقال له ابن عمر: خذ هذه السمكة، فقال أهله: سبحان الله !
قد أتْعَبتنا حتى حصلنا عليها، وتريد أن تعطيها للمسكين ؟!
كلْ أنت السمكة وسنعطي له درهما فهو أنفع له يشتري به ما يريد.
فقال ابن عمر: لا أريد أن أحقق رغبتي وأقضي شهوتي ،
إنني أحببت هذه السمكة فأنا أعطيها المسكين إنفاقًا لِمَا أُحِبُّ في سبيل الله.
[ ابن سعد وأبو نعيم والهيثمي ]
وبينما كان عبد الله -رضي الله عنه-
يؤدي فريضة الحج أصابه سن رمح كان مع أحد الرجال في منى فجرحه،
فأدى هذا الجرح إلى وفاته، ودفن بمكة في سنة ( 73هـ )،
وقد روى كثيرًا من أحاديث الرسول،
حيث روى ألفين وست مئة وثلاثين حديثًا.
اللهم اجمعنا مع نبينا عليه السلام وآله وصحبه
أخوكم في الله مصطفى الحمد