قَوْلُهُ : ( وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ
يَرَوْنَ الْقُرْعَةَ فِي هَذَا ، وفِي غَيْرِهِ )
وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ : بَابُ الْقُرْعَةِ
فِي الْمُشْكِلَاتِ ، وَذَكَرَ فِيهِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقُرْعَةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : وجْهُ إِدْخَالِهَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ
الْبَيِّنَاتِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الْحُقُوقُ ، فَكَمَا تُقْطَعُ الْخُصُومَةُ وَالنِّزَاعُ بِالْبَيِّنَةِ
كَذَلِكَ تُقْطَعُ بِالْقُرْعَةِ ، وَمَشْرُوعِيَّةُ الْقُرْعَةِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ
وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ ، وَأَنْكَرَهَا بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ
وحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلَ بِهَا وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي
الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ضَابِطَهَا الْأَمْرُ الْمُشْكِلُ ، وفَسَّرَهَا غَيْرُهُ بِمَا يَثْبُتُ فِيهِ
الْحَقُّ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ، وَتَقَعُ الْمُشَاحَّةُ فِيهِ فَيُقْرَعُ لِفَصْلِ النِّزَاعِ
وقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي : لَيْسَ فِي الْقُرْعَةِ إِبْطَالُ الشَّيْءِ مِنَ الْحَقِّ كَمَا
زَعَمَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ ، بَلِ اذَا وَجَبَتِ الْقِسْمَةُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَعْدِلُوا
ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ ، ثُمَّ يَقْتَرِعُوا فَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا وَقَعَ لَهُ بِالْقُرْعَةِ مُجْتَمِعًا مِمَّا
كَانَ لَهُ فِي الْمِلْكِ مَشَاعًا فَيُضَمُّ فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْعِوَضِ
الَّذِي صَارَ لِشَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ مَقَادِيرَ ذَلِكَ قَدْ عُدِلَتْ بِالْقِيمَةِ ،
وَإِنَّمَا أَفَادَتِ الْقُرْعَةُ : أَنْ لَا يَخْتَارَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَيَخْتَارُهُ الْآخَرُ
فَيَقْطَعُ التَّنَازُعَ ، وهِيَ إِمَّا فِي الْحُقُوقِ الْمُتَسَاوِيَةِ ، وَإِمَّا فِي تَعْيِينِ الْمِلْكِ .
فَمِنَ الْأَوَّلِ عَقْدُ الْخِلَافَةِ إِذَا اسْتَوَوْا فِي صِفَةِ الْإِمَامَةِ ، وكَذَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ
فِي الصَّلَوَاتِ ، وَالْمُؤَذِّنِينَ ، وَالْأَقَارِبِ فِي تَغْسِيلِ الْمَوْتَى وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ
وَالْحَائِضَاتِ إِذَا كُنَّ فِي دَرَجَةٍ ، وَالْأَوْلِيَاءِ فِي التَّزْوِيجِ وَالِاسْتِبَاقِ
إِلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ ، وفِي إِحْيَاءِ الْمَوْتَى ، وفِي نَقْلِ الْمَعْدِنِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ
والتَّقْدِيمِ بِالدَّعْوَى عِنْدَ الْحَاكِمِ ، وَالتَّزَاحُمِ عَلَى أَخْذِ اللَّقِيطِ ، وَالنُّزُولِ
فِي الْخَانِ الْمُسْبَلِ وَنَحْوِهِ ، وفِي السَّفَرِ بِبَعْضِ الزَّوْجَاتِ ، وفِي ابْتِدَاءِ
الْقَسَمِ وَالدُّخُولِ وَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ ، وفِي الْإِقْرَاعِ بَيْنَ الْعَبِيدِ إِذَا أَوْصَى
بِعِتْقِهِمْ ، وَلَمْ يَسَعْهُمُ الثَّالِثُ ،
وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ مِنْ صُوَرِ الْقَسْمِ الثَّانِي أَيْضًا ، وَهُوَ تَعْيِينُ الْمِلْكِ وَمِنْ صُوَرِ
تَعْيِينِ الْمِلْكِ الْإِقْرَاعُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ تَعْدِيلِ السِّهَامِ فِي الْقِسْمَةِ . انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ .
( وَأَمَّا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يَرَوُا الْقُرْعَةَ )
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وحَدِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَى هَؤُلَاءِ
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ .
( وَقَالُوا : يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ ) أَيْ : مِنَ الْأَعْبُدِ السِّتَّةِ
( الثُّلُثُ ) أَيْ : ثُلُثُهُ
( يُسْتَسْعَى ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ : كُلُّ عَبْدٍ
( فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ ) فَإِنَّ ثُلُثَهُ قَدْ صَارَ حُرًّا
قَوْلُهُ : ( وَأَبُو الْمُهَلَّبِ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو إِلَخْ )