الحمد لله، والله أكبر ذو القُدرة القاهرة،
وسبحان الله وبحمده له الحُجَج البالغة والآيات الباهِرة،
والحمدُ لله والشكرُ له على آلائِه الباطنة والظاهرة، ونِعَمه الوافِرة المُتواتِرة،
لا إله إلا هو يرِثُ الأرضَ ومن عليها، ويُعيدُ الخلائِقَ منها وإليها،
ويُجازِيها بما لها وما عليها، أحمدُه - سبحانه - وأشكره،
وأُسبِّحُه وأُكبِّرُه ليس لفضلِه حدٌّ ولا لإحسانِه مُنتهَى،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمدُ في الآخرة والأُولَى،
وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله الحبيبُ المُصطفَى، والخليلُ المُجتبَى،
المبعوثُ بالرحمة والهُدى، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه،
وعلى آله السادة الطيبين الشُّرفاء، وأصحابه الغُرِّ الميامين الحُنفاء،
والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وعلى هديِهم سار، وعلى طريقِهم اقتفَى،
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، والله أكبر وهو العظيمُ جُودُه،
الكثيرُ موجودُه، المُتعالِي بعظمته ومجدِه،
نزَّل الفُرقان على عبدِه ليكون للعالمين نذيرًا.
فالإسلام غرسَ حبَّ الجمال وإدراك الزِّينة في أعماق المُسلم، فيُشاهِدُ الجمال،
ويستمتِعُ بمباهِج الزِّينة مبثوثةً في الكون كلِّه تتجلَّى في صُنع الله الذي أتقنَ كلَّ شيء،
وفي خلقِه الذي أحسنَ كلَّ شيءٍ خلقَه
{ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ }
والذي خلقَكم فأحسنَ صُورَكم، وجعلَكم في أحسن تقويم.
إيقاظٌ للشعور بالجمال ومواطن الزِّينة التي أودعَها الله في خلقِه في هذا الكون الفَسيح
من فوقِنا ومن تحتنا ومن حولِنا؛ لتمتلِئَ الأعيُنُ والآذانُ والقلوبُ
والنفوسُ بهجةً وسرورًا في جمال الطبيعة، في سُهولِها ووِهادِها، وبِحارِها وأنهارها،
وجبالِها وصحرائِها، وأطيارِها وأزهارِها.
أبدعَ الخالقُ خلقَها، وأتقنَ صُنعَها، فخلبَت الألباب، وأثارَت الفِكرَ والتأمُّل،
وفتحَت الأبوابَ نحو الإيمان واليقين والتوحيد وحُسن التعبُّد.
ومع هذا كلِّه ووضوحِه وجلائِه، إلا أن الجمالَ في الإسلام
لا يرتبِطُ بالمظاهر الحسِّيَّة وحدَها، ولكنَّه مُرتَّبٌ ومُنظَّمٌ ومُرشَّد؛
فالمرأةُ الجميلة لا يجوزُ أن تكون أداةً في إثارة الشهوة المُحرَّمة، وارتِكاب الرَّذائِل،
فضلاً عن أن تكون أداةً لتسويق البضائِع وترويج السِّلَع.
وليس الجمالُ في جرِّ الرِّجال للإزار وإسبال الثياب كِبرًا ورياءً،
ولا بتخلِّي المُؤمنات عن الحِشمة والعِفَّة والحياء.
نعم، المحمودُ منه ما أعانَ على طاعَة الله كما كان - صلى الله عليه وسلم –
يتجمَّلُ للوفود، والمذمومُ ما كان للدنيا والفخر والخُيَلاء،
والتوصُّل إلى الشهوة المُحرَّمة، أو أن يكون غايةَ العبد وأقصَى همَّتِه ومطلبِه.
المطلوبُ أن يُجمِّلُ العبدُ قلبَه بالإخلاص لله ومحبَّته والتوكُّل عليه والإنابَة إليه.
ولِسانَه بالصدق، وحُسن المنطق، وعُذوبَة اللَّفظ. والجوارِح بالطاعة،
والعمل النافع. وبدنَه بإظهار نعَم الله عليه في لِباسِه، وتطهيرِه من الأنجاسِ
إنه الجمالُ في مجالاته الحقَّة، والزِّينة في ميادينها النقيَّة،
وليس إلا أهل الفضل والصلاح ليكونوا رموزَ الجمال، ونماذِج الزِّينة والبهجة،
بهم يقتدِي أهلُ الهِمَم بالتوجُّه نحو العزائِم والأذواق الرَّفيعة،
المعروف، والتعامُل الكريم، وأخلاقِه العليَّة في كرمٍ وحلمٍ، وطهارةِ لسانٍ، وكفٍّ نديٍّ.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا، وسبحان الله كثيرًا،
وصلَّى الله وسلَّم على سيِّدنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
ألا فاتقوا الله - رحمكم الله -، واهنأوا بعيدكم، وأصلِحوا ذاتَ بينكم،
والبَسوا وتجمَّلوا، وكلُوا واشربُوا ولا تُسرِفوا، وأطيعوا اللهَ ورسولَه إن كنتم مؤمنين؛
فالعيدُ فرحةٌ وبهجةٌ، فمن أحبَّ أن يُسامِحَه الناسُ فليُسامِحهم،
ومن أحبَّ أن يقبَلَه الناس فليتجمَّل لهم، ومن زادَ حبُّ لنفسِه ازدادَ كرهُ الناس له،
الأُلفةُ دليلُ حُسن الخُلُق، والنُّفرةُ علامةُ سوء الخُلُق.
لا يسعَدُ بالعيد من عقَّ والدَيه وحُرِم الرضا في هذا اليوم المُبارك السعيد،
ولا يسعَدُ بالعيد من يحسُد الناسَ على ما آتاهم الله من فضله،
وليس العيدُ لخائنٍ غشَّاشٍ يسعَى بالفساد بين الأنام؛
كيف يفرحُ بالعيد من أضاعَ أموالَه في مَلاهٍ مُحرَّمة وفسوقٍ وفجور،
ليس له من العيدِ إلا مظاهِره، وليس له من الحظِّ إلا عواثِرُه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ثم اعلموا أن من مظاهر الإحسان بعد رمضان:
استِدامةُ العبد على نهج الطاعة والاستقامة، وإتباعُ الحسنة الحسنة،
وقد ندَبَكم نبيُّكم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - بأن تُتبِعوا رمضان بستٍّ من شوال؛
فمن فعل فكأنما صامَ الدهرَ كلَّه.
تقبَّل الله منا ومنكم الصيامَ والقيامَ وسائر الطاعات والأعمال الصالحات.
ثم صلُّوا سلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيِّكم محمدٍ رسول الله،
فقد أمركم بذلك ربُّكم، فقال - عزَّ قائلاً عليمًا -:
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }