عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-11-2013, 01:49 AM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي خطبتي عيدالفطر من المسجد النبوي بعنوان : الفرح في الإسلام

ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبتي العيد بعنوان :
الفرح في الإسلام

والتي تحدَّث فيها عن الفرح والابتهاج في الإسلام، وأن الله - جل وعلا –
شرعَ لنا أن نفرحَ في مواسِم الخير والمناسبات العديدة بما لا نتعدَّى فيها حدود الشرع،
وبيَّن في خطبته صور الفرَح وأسبابه، ووجوب التقيُّد فيه بما جاء في الوحيَيْن.

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الحمد لله، الحمد لله حمدًا كثيرًا، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً،
أحمدُه حمدًا لا انتهاءَ لأمَده، وأشكرُه شُكرًا لا إحصاءَ لعدده،
الحمدُ لله عددَ خلقِه وزِنةَ عرشِه ورِضا نفسِه ومِدادَ كلماته،
الحمدُ لله كما يحبُّ ربُّنا ويرضَى،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ الأعلى
وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبده ورسوله النبيُّ المُصطفى والخليلُ المُجتبَى،
صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه ومن اقتفَى.

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فمن اتَقاه وقَاه، ومن أقرضَه جزاه، ومن أحبَّه قرَّبه وأدناه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( للصائم فرحَتان: فرحةٌ عند فِطره، وفرحةٌ عند لقاء ربِّه )
رواه مسلم.
الفرحُ سلوكٌ راقٍ، وفِكرٌ رصينٌ، ومطلبٌ مهمٌّ، وهدفٌ منشود.
والناسُ كلّ الناس يسعَى إلى فرحِ قلبِه، وزوالِ همِّه وغمِّه، وتفرُّق أحزانِه وآلامِه.
يُعبِّرُ المُسلمُ في هذه المناسبات عن فرَحه وسُرُوره،
ويبتهِجُ في مواسِم البهْجة والأعياد، والتعبيرُ عن الفرحة يُنعِشُ النفس،
ويُجدِّدُ النشاط؛ بل تقتضِي هذه المواسِم أن نعيشَ الفرحَة في كلِّ لحَظاتها،
والبهجَة بكل معانِيها في إطار الشَّرع، وضوابِط الدِّين،
ومُرتكَزات القِيَم والأخلاق دون خدشٍ للحياء.
ومن الحِكَم التي أباحَ فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - الاحتِفاءَ بالعيد:
أن يعلمَ الناسُ أن في دينِنا فُسحة.
الفرحُ مركزُه القلب، وميدانُه السُّلوك، ومظهرُه اللِّباسُ والزِّينةُ والكلمةُ الطيِّبَة،
ورسالتُه الشعورُ الحسنُ، والوِجدانُ الفيَّاض،
وأثرُه سعادةٌ غامِرةٌ تمسحُ آثارَ وبقايا الهمِّ.
أما الحزنُ البائِسُ فيُولِّدُ الضيقَ، ويُحطِّمُ النفس، ويُقعِدُ الإنسان،
ويترُكُه بلا حِراك، ويجعلُ الشخصيَّةَ خشِنةً جافَّةً مُتهوِّرة.
الفرحُ لا ينحصِرُ في أيامٍ معدودة، أو فترةٍ محدودة؛
بل إن المُسلمَ يعيشُ الفرحَ على مدارِ العام والعُمر في الدنيا والآخرة.
فأسبابُ الفرح في كل لحظةٍ وسكنَةٍ من حياتِنا، ودواعِيه في كلِّ شُؤونِنا.
نفرحُ وقد عِشنا مظاهِرَ الطاعة من صيامٍ وقيامٍ وتلاوةٍ واستِغفارٍ،
ألسنُ تلهَجُ بالدعاء، وأعيُنٌ تذرِفُ الدمعَ خشيةً، وقلوبُ ذليلةٌ مُنكسِرةٌ.
نفرحُ فرحًا عميقًا بتوفيق الله لنا.
ولذلك شرعَ الله التكبيرَ إكبارًا وشُكرًا له، وثناءً عليه، وإعظامًا لنعمته.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
نفرحُ بالله ومعرفته ومحبَّته وكلامه ورسوله، قال الله تعالى:
{ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ }
[الرعد: 36].
إن سُرور القلب بالله وفرحَه لا يُشبِهُه من نعيم الدنيا شيء، وليس له نظيرٌ،
حتى لقد قال بعضُ العارِفين:
[ إنه لتمُرُّ بي أوقاتٌ أقول فيها: إن كان أهلُ الجنةِ في مثلِ هذا إنهم لفِي عيشٍ طيِّبٍ ]
يفرحُ المُسلمُ بفضل الله ورحمته، يفرحُ بأن الله أنعمَ عليه بالإسلام،
وطهَّر قلبَه بالإيمان، وعطَّر لسانَه بتلاوة القرآن،
{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }
[يونس: 58].
وعلى قدر حياة القلب بالإيمان والقرآن يكونُ فرَحُه،
وكلما رسخَ ذلك كان قلبُه أشدَّ فرَحًا.
نفرح لنعم الله الظاهرة والباطنة التي تُحيطُ بنا من كل جانب، وتملأ حياتَنا،
فقد أعطانا الله خيرًا، ودفعَ عنَّا شُرورًا، ومتَّعَنا بنعمة الصحَّة والعافية والأولاد.
نفرح لنعمة الأمن التي تُظلِّلُ بلادَنا، والاستقرار الذي يعمُّ أرضَنا،
ولنعمٍ أسبغَها الله علينا لا تُعدُّ ولا تُحصَى.
اليوم الذي يمُرُّ دون أن نقترِف معصية هو يومُ فرَح، وللتوبة فرحةٌ عجيبة،
ولذَّةٌ إيمانيَّة لا تُقارَنُ بلذَّة المعصية الزائِفة.
وتفرح حين تجِدُ نفسَك مُحافِظًا على الصلوات، مُقيمًا لها في بيت الله؛
بل ويأنَسُ فرحُك ويزدادُ حين تُصلِّي ركعتين لله - جلَّ جلالُه - في جوفِ الليل.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

إخوة الإسلام :
تزدهِرُ الفرحةُ وترقَى بذكرِ الله، الذِّكرُ يُزيلُ الهمَّ والقلقَ، ويجلِبُ الفرحَ والسُّرور،
ويُنوِّرُ القلبَ والوجهَ.
ومما يُورِثُ الفرحَ: أن يرضَى الإنسانُ عن نفسِه وربِّه، ويطمئنَّ إلى يومِه وحاضِره،
يطمئنَّ إلى غدِه ومُستقبلِه ويقينُه بالله والآخرة.
يدومُ الفرحُ بإزالَة الأسباب الجالِبة للهُموم، وتحصيلِ الأسباب الجالِبة للسُّرور،
ونسيان ما مضَى عليه من المكارِه، لا يقلَقُ المُسلمُ من الفقر والخوف ومُستقبَل حياتِه؛
فالأمرُ كلُّه بي العزيز الحكيم، وهذا يُورِثُ الطُّمأنينة والفرَح بزوال الهمِّ والقلق،
{ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }
[ الطلاق: 3 ]
أما الذي يُكثِرُ السُّخط والتشكِّي فلا يذوقُ للسُّرور طعمًا،
ولا يهنَأُ بالفرَح أبدًا، حياتُه نكَد، وعيشُه ضنك.
ويتحقَّقُ الفرحُ - عباد الله - بطلبِ العلم وتبليغِه،
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( نضَّر اللهُ امرأً سمِع منا شيئًا فبلَّغَه كما سمِعَه )
والنُّضرةُ هي البهجةُ والحُسن الذي يُكساه الوجه من آثار الإيمان وابتِهاج الباطن به.
وإذا أردتَّ أن يدومَ فرَحُك ويبقَى فاعمل على أن تمسحَ دمعة يتيم،
وتُغدِقَ السُّرورَ على طفلٍ مسكين، وتزرعَ البسمةَ على شِفاه المحرومين،
حين ُواسِي مهمومًا تفرَح، وحين تُنقِّي قلبَك من الغلِّ والحقد والحسَد،
وإذا جمَّلتَ باطنَك ونواياك تركَت الفرحةُ بصمةً حقيقيَّةً في نفسِك،
تفرَح عندما تُقابِل الناسَ بطلاقة الوجه، والتِماس العُذر، وكفِّ الأذَى،
وصِلَة من قطعَك، والعفو عمَّن ظلمَك
{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }
[الأعراف: 199].
وعجيبٌ أمرُ المؤمن، يفرحُ في السرَّاء والضرَّاء،
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( عجَبًا لأمر المؤمن إن أمرَه كلَّه خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمُؤمن:
إن أصابَتْه سرَّاءُ شكَر فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه ضرَّاءُ صبَرَ فكان خيرًا له )
بل إن العارِفين يُقابِلون الابتِلاءَ بالفرَح؛ لأن الابتِلاءَ يُفضِي إلى محو السيئات،
ورفع الدرجات، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
(.. وإن كان أحدُهم ليفرحُ بالبلاء كما يفرحُ أحدُكم بالرَّخاء )
وقد يفرحُ الإنسانُ لأمرٍ ويكونُ شرًّا له، وقد يحزَنُ على أمرٍ يكونُ مآلُه خيرًا له؛
يعقوبُ - عليه السلام - فقدَ ابنَه يوسف وحزِن لذلك حُزنًا شديدًا،
فكانت العاقبةُ خيرًا وفرَحًا.
وقارُون فرِحَ بما آتاه الله من مالٍ، فطغَى وتكبَّر، فكانت العاقبةُ عقوبةً وحُزنًا وألمًا،
{ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ }
[ القصص: 81 ].
ونفرحُ لأن نصرَ الإسلام قريبٌ، وبشائِرَه تلُوحُ في الأُفُق؛
فأعدادُ المُسلمين ليس لها عدٌّ، وتمدُّدُه ليس له حدٌّ،
وكلما اشتدَّت المِحَن قرُبَ بُزوغُ الفجر، قال الله تعالى:
{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا }
[يوسف: 110].
كما أن العالَم اليوم يئِنُّ من ويلات الحُروب والدَّمار والفتَن
وإفلاس المذاهِب الوضعيَّة وينشُدُ الخلاصَ، والمُنقِذُ هو الإسلام، دينُ السلام والعدل،
والعدالة والأمن. وحينئذٍ تسعَدُ البشريَّة، وتسُودُ المحبَّة، وتزولُ الحروب،
ويتحقَّقُ الازدهارُ والنَّماء، قال الله تعالى:
{ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }
[ الروم: 4، 5 ].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.


التعديل الأخير تم بواسطة بنت الاسلام ; 08-11-2013 الساعة 01:52 AM
رد مع اقتباس