المؤمنُ يفرحُ عند الموت بلِقاء الله، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( من أحبَّ لقاءَ الله أحبَّ اللهُ لقاءَه، ومن كرِهَ لقاءَ الله كرِهَ الله لقاءَه )
فرُوحُ المؤمن تطيرُ فرَحًا عند الموت شوقًا إلى النعيم الذي ترَى بِشارَاته،
والفرحُ الأكبرُ والنعيمُ الأعظم فرحٌ لا يفنَى، ونعيمٌ لا حدَّ لمُنتهاه،
عندما يُوفَّقُ المُسلمُ لسعادة الأبَد في جنَّات النعيم،
وهناك يفرحُ المؤمنون دون غيرِهم يوم القيامة، تتلألأُ وجوهُهم نورًا،
ومن شدَّة الفرَح تظهرُ ضاحِكةً مُستبشِرَة، قال الله تعالى:
{ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ }
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ }
أيُّ سعادةٍ أعظم ونحن مُنصرِفون إلى جنَّةٍ عالية، قطوفُها دانِية،
فيها ما لا عينٌ رأَت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خطَر على قلب بشر؟!
إن غمسةً في الجنة تُنسيك كلَّ شدَّة الدنيا وبُؤسِها، فكيف بنعيمٍ مُقيمٍ لا يحولُ ولا يزول؟!
وتستقرُّ الفرحةُ الأخرويَّة بنعيمٍ ليس بعده نعيم، ولذَّةٍ ليس وراءَها لذَّة، وهي:
النظرُ إلى وجه الربِّ - تبارك وتعالى -، قال - سبحانه -:
{ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ }
فاللهم ارزقُنا لذَّة النظر إلى وجهِك، والشوقَ إلى لقائِك في غير ضرَّاءَ مُضِرَّة،
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكرِ الحكيم،
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه، أحمده - سبحانه - وأشكرُه لما أسداهُ وحَباه،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ربَّ سِواه،
وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبده ورسوله قامَ من الليل حتى تفطَّرَت قدَماه،
صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه ومن والاه.
فاتَّقوا الله حقَّ التقوى، وراقِبوه في السرِّ والنجوى.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
وإذا تجاوزَ الفرحُ حدودَ الشرع والعقل غدا مذمومًا؛
فالاستِبشارُ بمُصيبةٍ تحلُّ بأخيك، أو كارِثةٍ تنزلُ به فرحٌ مذمومٌ،
{ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا }
ومن الفرح المذموم وعلامة النِّفاق: الاشمِئزازُ من نصر الإسلام وتمكينه،
أو الفرحُ بتحجير دوره وأثره في الحياة، واتِّهامُه بأنه سببُ التخلُّف والرَّجعيَّة،
{ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }
ومن الفرح المذموم: فرحُ المرء بما لم يفعل رياءً وتكبُّرًا،
{ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا
فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
ومن ذلك: فرحُ المؤمن بتقصيرِه في طاعة الله، وتخلُّفِه عن رَكب الصالحين،
ونُكوصِه عن الدعوة والاستِقامة، قال الله تعالى:
{ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ
وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ
قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ }
وإذا أدَّى الفرحُ إلى الأشَر والبطَر والتمرُّد والانطِلاق من كل قيدٍ فهو فرحٌ مذمومٌ،
{ ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ }