إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب !! ؟؟
يأتي خراب الحياة الاجتماعية من خراب القيم التي تسود فيها ،
ومن القيم الفاسدة أن الحياة غابة ، وهي صراع بين القوي والضعيف ،
فعليك أن تكون شرساً مع الآخرين ،
وأن تتمثل بصفات الجبارين المعتدين حتى لا تؤكل ،
فإما أن تكون ذئباً بين ذئاب الحياة ، أو تكون فريسة لتلك الذئاب ،
فلا مكان للضعفاء في الأرض ، ولا رحمة ولا قانون عند الأقوياء ،
ومهما كانت الحملان وديعة وبريئة ،
فإن هذا مما يغري الذئب بالسطو والاعتداء ،
فعليك في قانون الغابة أن تكون مفترساً
حتى تسلم من أذى الأشرار ،
(إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب)
تسمعها مرارا من مختلف طبقات الناس ،
وهذه الكلمة الموجزة تحمل مضموناً كاملاً للحياة ،
ولو تمثلنا بها ضد أعدائنا من الغزاة والمحتلين لكان الأمر سهلاً ،
ولكن المؤسف أن نتمثل بها في مجتمعاتنا الإسلامية
ضد بعضنا البعض ، فالغني يأكل الفقير ، والقوي يأكل الضعيف ،
والقاتل والسارق والمرتشي وجميع الخارجين على القانون يبررون
أفعالهم القبيحة بمثل تلك الكلمة .
وهذه الكلمة يمكن أن ننظر إليها بمنظارين :
منظار الإنسان الذي يريد أن يحظى بما يستطيع من متاع الدنيا
وحطامها بأية وسيلة كانت ،
فلا عجب لمثل هذا المنافس على مغانم الأرض أن تكون هذه الكلمة
ففما هو إلا ذئب يسيل لعابه عند رؤية كل فريسة ،
ويحمل في نفسه الحقد والشراسة تجاه المجتمع .
منظار الإنسان الذي يريد أن يعيش حياة سوية ،
ملتزماً بهدي دينه ، محترماً للقانون ،
فينال من المتاع ما قسم الله له ،
ويسعى في نصرة الحق وأداء الواجب ،
ومثل هذا لا يمكن أن يكون ذئباً يسعى لافتراس غيره ،
ولا أن يكون حملاً تلتهمه أنياب الذئاب ،
وإنما يسلك سبيل العفة والتسامي ،
وينهج نهج الملائكة الكرام لا نهج الحيوانات المفترسة ،
وينظر إلى القوة على أنها أداة لإحقاق الحق
وهو يأبى الانخراط مع عصابة الذئاب الدنيوية التي تجمعها
فهذا خير له من أن يكون ذئباً يعتدي على الناس ثم يقتصون منه
فالمؤمن سيف من سيوف الله ، يقيم الله به الحق والعدل ،
إن الحياة في ظاهرها تبدو بأنها صراع بين القوي والضعيف ،
وفي حقيقتها هي صراع بين الخير والشر ، والحق والباطل ،
إنها ابتلاء وامتحان للناس ،
وعلى العاقل أن يكون مع الحق والمنطق لا مع البطن والشهوة ،
بمعنى أن يكون عبداً ربانياً لا ذئباً بشرياً ،
وهو ما أشارت إليه آيات عدة ،
{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ
وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ
لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }
{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ
لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }
{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ
لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ }
{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }
وعليه فإن فسلوك الإنسان يجب أن لا يحكمه الحرص والطمع
والنزوع نحو تحقيق المصالح المادية المؤقتة الفانية ،
وإنما يجب أن يكون وفق منهج الله في الأرض ،
فلا يحشر نفسه في زمرة أهل البغي والظلم والعدوان ،
ولا مع المستكبرين والمفسدين ، ولا يكون عوناً لهم ،
ولا يتكالب على الدنيا بقصد جمعها ولو على حساب الآخرين ،
بل هو على النقيض من ذلك تماما ً،
يقف مع المظلوم ضد ظالمه ، ومع الضعيف ضد القوي ،
وقد يدفع حياته ثمنا لموقف شريف ،
وهيهات أن يكون ذئباً مثل غيره ، يصول ويجول ليأكل لحوم البشر ،
ويأخذ الدنيا من دماء ضحاياه ودموعهم وأشلائهم ،
فالدنيا رحلة مؤقتة ، وفي الآخرة قصاص عادل ،
والميزان فيها يزن بالذرة فما أعدله من ميزان !
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْأَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ }
إن الحياة ليست غابة إلا في مفهوم من لا يؤمن بآخرة ولا جنة
ولا نار ، فهذا ينكب على الدنيا لا يطلب سواها ،
فهو يعمل كل ألوان الجرائم لأنه لا يؤمن بثواب ولا عقاب ،
أما المؤمن فهيهات أن يعتدي لأن الله لا يحب المعتدين ، ولا يظلم ،
وإنما يكون من حراس العدالة ،
ومما يؤكد ذلك وصايا الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم
بأن يكونوا على أخلاقية عالية تتناسب وعظمة الإسلام ،
فلا يقتل طفل ولا شيخ ولا امرأة ، ولا يحرق زرع ،
فلو كان المؤمنون ينظرون للحياة على أنها غابة
لفعلوا ما فعله هولاكو والصليبيون من قبله من قتل للعلماء ،
وحرق للكتب ، واعتداء على الأعراض...
ولكن هيهات لمن لامست قلوبهم بشاشة الإيمان أن يكونوا وحوشاً
أو ذئاباً ، وإنما كانوا ملائكة رحمة تنقل البشرية
من جور الأديان إلى عدل الإسلام ،
ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والاخرة .