ويجب أن نفرق بين الحرص على القوة وبين العدوان ،
فالقوة في جميع صورها مطلوبة للأمة أفراد وجماعات ،
ولكنها قوة مضبوطة بقوانين العدالة ، ومحكومة بأخلاقية عالية ،
والمسلم أرفع من أن تكون أخلاقه قائمة على مبدأ :
إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب ،
لأنه ينظر إلى أفراد المجتمع على أنهم إخوة له ،
يتعاون معهم ولا يتصارع ، ويصفح عنهم إذا أساؤوا ،
{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }
{ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
{ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ
وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ }
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً
وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً }
وأما في المجتمعات غير المسلمة فالحال نفسه ،
فلا يكون ذئباً أيضاً ، بل هو أكثر التزاماً بالقيم والأخلاق ،
لذا فقد أسلم كثير من الشعوب في جنوب شرق آسيا
على أيدي تجار المسلمين لما رأوا أخلاقهم الرفيعة ،
فالمؤمن يجب أن يحمل إسلامه أين ما ذهب ،
وأن يكون قدوة للناس في فعل الخيرات وترك المنكرات ،
فإذا ما رأوه أحبوا الإسلام ،
وما لم يكن الأمر كذلك فهو المسئول الأول عن ما يقع للإسلام
من عقبات في تلك المجتمعات ،
لأنه لم يسلك سلوكاً قويماً ، ولم يبين للناس الدعوة بالحسنى ،
{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }
إن المطالبة بالحق والدفاع عنه سواء كان شخصياً أم جماعياً
ولكن ليس معنى المطالبة أن يكون المرء ذئباً ،
لأن الذئاب فيها الغدر والخسة ،
وإنما ليكن كما كان خالد بن الوليد سيفاً من سيوف الله تعالى ،
أو كما كان حمزة أسد الله ورسوله ،
إن عبارة إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب علمت كثيراً من الناشئة
أن يكونوا بمنتهى الوقاحة والشراسة مع الآخرين ،
وعلمتهم الانتهازية واللا مسئولية ،
وهذه العبارة لا ينبغي أن تكون مساغة في أمة الرحمة والنور ،
كيف يتصدى الناس للإصلاح إذاً ويتحملون في سبيله التبعات
إن المصلح يعطي ويتحمل ويصبر على كل ما تثيره ذئاب الشر ضده،
فهل يستطيع أداء رسالته إذا كان ذئباً مثلهم ؟
أم يكون عدواً للإصلاح وعدواً للمصلحين ؟
ألا ما أغنانا عن مثل هذه المفاهيم الفاسدة :
إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب !
وما أحوجنا إلى العودة إلى الأخلاقية الصادقة
التي دعا إليها القرآن الكريم ،
{وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }
ما أحوجنا إلى أن نربي أجيالنا الصاعدة على القيم الإيجابية
من المحبة والتسامح والتعاون ،
أن نربيهم على احترام الآخر والالتزام بالقانون ونبذ الفوضى ،
وحب الوطن ، وتلبية النداء ، واجتناب الظلم والعدوان .
إن الإنسان في الحياة ينبغي له أن يحصل حقوقه ، ويطالب بها ،
فإذا ظُلم ولم ينصفه القانون خير له من أن يَظلم ،
لأن الله سينتصر للمظلوم من الظالم ،