والأنصار الذين ولدوا في الإسلام حتى ترعرعوا من أمثال عبد الله بن الزبير
وعبد الله بن جعفر، وعمر بن أبي سلمة، وقالوا له: لو بايعتهم فتصيبهم بركتك،
ويكون لهم ذكر؟، وجاءوا بهم إلى النبي ( فخافوا ووجلوا من النبي
( إلا عبد الله بن الزبير ) الذي اقتحم أولهم، وكان عبد الله فارسًا شجاعًا
يحب الجهاد، ويذهب مع أبيه ليتدرب على ركوب الخيل والمبارزة
وشهد معه معارك عديدة منها اليرموك، واشترك في فتح إفريقية
وهو الذي حمل البشرى إلى الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-
بفتحها. وكان –رضي الله عنه- عابدًا لله، قارئًا لكتاب الله
قوامًا لليل، صوامًا للنهار
ما رأيت مصليًا أحسن صلاة من ابن الزبير
كنت أمرُّ بابن الزبير وهو خلف المقام يصلي، كأنه خشبة منصوبة
وكان أحد الذين أمرهم عثمان -رضي الله عنه- بنسخ المصاحف
قال عمر بن عبد العزيز يومًا لابن أبي مليكة:
والله ما رأيت نفسًا رُكبت بين جنبين مثل نفسه ولقد كان يدخل
في الصلاة، فيخرج من كل شيء إليها، وكان يركع أو يسجد فتقف
العصافير فوق ظهره وكاهله لا تحسبه من طول ركوعه وسجوده الا جدارا
واشترك -رضي الله عنه- مع أبيه في موقعة الجمل، وبعد أن أصبح
الحكم في يد بني أمية ظل عبد الله على خلاف معهم، فاعترض على ولاية
يزيد بن معاوية. ولما توفي يزيد بايعت جميع الولايات الإسلامية
عبدالله بن الزبير أميرًا للمؤمنين، واتخذ عبدالله من مكة عاصمة لدولته
وبسط يده على الحجاز واليمن والبصرة والكوفة والشام كلها ما عدا دمشق،
وظل عبدالله باسطًا يده على هذه البلاد حتى استطاع مروان بن الحكم
أن ينتزع منه هذه الولايات عدا الحجاز التي ظلت تحت سيطرة عبدالله.
ورغم ذلك لم يهدأ الأمويون، فأخذوا يشنون حروبًا متصلة ضد
ابن الزبير، انهزموا في أكثرها حتى جاء عهد عبد الملك بن مروان الذي
أرسل الحجاج بن يوسف الثقفي على رأس جيش كبير لغزو مكة عاصمة
ابن الزبير، فحاصرها ستة أشهر مانعًا عن الناس الماء والطعام
كي يحملهم على ترك عبد الله بن الزبير، وتحت وطأةالجوع استسلم
الكثير من جنوده، ووجد عبد الله نفسه وحيدًا، فقرر أن يتحمل مسئوليته
حتى النهاية، وراح يقاتل جيش الحجاج في شجاعة فائقة
وكان عمره يومئذ سبعين سنة. وأثناء ذلك ذهب عبد الله إلى أمه
أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنها-، وأخذ يشرح
يا بني، إنك أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق، وتدعو إلى حق
فاصبر عليه حتى تموت في سبيله، ولا تملك من رقبتك غلمان
بني أمية، وإن كنت تعلم أنك أردت الدنيا فلبئس العبد أنت أهلكت نفسك،
والله يا أماه، ما أردت الدنيا، ولا ركنت إليها، وما جُرْتُ في حكم الله أبدًا،
أني لأرجو الله أن يكون عزائي فيك حسنًا، إن سبقتني إلى الله
أو سبقتك اللهم ارحم طول قيامه في الليل، وظمأه في الهواجر
(الأيام الشديدة الحر)، وبرَّه بأبيه وبي، اللهم أني أسلمته لأمرك فيه
ورضيت بما قضيت، فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين.
وانطلق عبد الله يقاتل الحجاج مع مَنْ تبقَّى معه من المسلمين حتى استشهد
ومعه كثير من المسلمين وكان ذلك عام (37هـ). ولما قتل عبد الله كبر أصحاب الحجاج
أما والله للذين كبروا عند مولده خير من هؤلاء الذين كبروا
ثم صلبه الحجاج على إحدى الطرق، فمرَّ به ابن عمر وهو مصلوب فقال:
السلام عليك يا أبا خبيب، قالها ثلاث مرات، أما والله، لقد كنت أنهاك
عن هذا (يقصد قتال بني أمية) ثم أخذ يثني عليه ويذكر صيامه وقيامه
وجاءت أمه أسماء بنت أبي بكر وكانت عجوزًا مكفوفة البصر، فقالت للحجاج:
أما آن لهذا الراكب أن ينـزل (تقصد عبد الله المصلوب)؟ فأنزله،
فغسله المسلمون ودفنوه -رضي الله عنه-.
اللهم اجمعنا مع رسولنا عليه السلام وآله وصحبه
في الله اخوكم مصطفى الحمد