[( الحياء لا يأتي إلَّا بخير )
فإنَّه يكفُّ عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق، ويحثُّ على استعمال
مكارم الأخلاق ومعاليها، فهو مِن خصال الإيمان بهذا الاعتبار ]
[ إذا صار الحَيَاء عادة، وتخَلَّق به صاحبه،
يكون سببًا يجلب الخير إليه، فيكون منه الخير بالذَّات والسَّبب ]
فالحَيَاء فضيلة مِن فضائل الفطرة، وهو مادَّة الخير والفضيلة،
وبهذا وصفه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله :
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم،
مرَّ على رجل، وهو يعاتب أخاه في الحياء، يقول: إنَّك لتستحيى
حتى كأنَّه يقول: قد أضرَّ بك،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( دعه، فإنَّ الحياء مِن الإيمان )
[ معناه أنَّ الحَيَاء مِن أسباب الإيمان وأخلاق أهله؛ وذلك أنَّه لما كان الحَيَاء
يمنع مِن الفواحش، ويحمل على الصَّبر والخير، كما يمنع الإيمان صاحبه
مِن الفجور، ويقيِّده عن المعاصي، ويحمله على الطَّاعة، صار كالإيمان
لمساواته له في ذلك، وإن كان الحَيَاء غريزة،
والإيمان فعل المؤمن، فاشتبها مِن هذه الجهة ]
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( استحيوا مِن الله حقَّ الحياء. قال: قلنا: يا رسول الله إنَّا لنستحيي، والحمد للَّه.
قال: ليس ذاك، ولكنَّ الاستحياء مِن الله حقَّ الحياء: أن تحفظ الرَّأس وما وعى،
وتحفظ البطن وما حوى، وتتذكَّر الموت والبِلَى، ومَن أراد الآخرة،
ترك زينة الدُّنيا، فمَن فعل ذلك، فقد استحيا مِن الله حقَّ الحياء )
[ يدخل فيه حفظ السَّمع والبصر واللِّسان مِن المحرَّمات، وحفظ البطن
وما حوى، يتضمَّن حفظ القلب عن الإصرار على ما حرَّم الله، ويتضمَّن أيضًا
حفظ البطن مِن إدخال الحرام إليه مِن المآكل والمشارب، ومِن أعظم ما يجب
حفظه مِن نواهي الله عزَّ وجلَّ اللِّسان والفرج ]
وقال المباركفوريُّ في شرح الحديث:
[قوله: ( استحيوا مِن الله حقَّ الحَيَاء )
أي: حياءً ثابتًا ولازمًا صادقًا، قاله المناويُّ، وقيل: أي اتَّقوا الله حقَّ تقاته.
( قلنا يا نبيَّ الله إنَّا لنستحيي )
لم يقولوا: حقَّ الحَيَاء ؛ اعترافًا بالعجز عنه.
أي: ليس حقَّ الحَيَاء ما تحسبونه، بل أن يحفظ جميع جوارحه عمَّا لا يرضى.
( ولكن الاستحياء مِن الله حقَّ الحَيَاء: أن تحفظ الرَّأس )
أي: عن استعماله في غير طاعة الله، بأن لا تسجد لغيره،
ولا تصلِّي للرِّياء، ولا تخضع به لغير الله، ولا ترفعه تكــبُّرًا.
أي: جمعه الرَّأس مِن اللِّسان والعين والأذن عمَّا لا يحلُّ استعماله.
أي ما اتصل اجتماعه به مِن الفرج والرِّجلين واليدين والقلب،
فإنَّ هذه الأعضاء متَّصلة بالجوف، وحفظها بأن لا تستعملها في المعاصي،
( وتتذكَّر الموت والبِلَى )
بكسر الباء، مِن بَلَى الشَّيء إذا صار خَلِقًا متفتِّتًا،
يعني تتذكَّر صيرورتك في القبر عظامًا بالية.
( ومَن أراد الآخرة ترك زينة الدُّنْيا )
. فإنَّهما لا يجتمعان على وجه الكمال حتى للأقوياء، قاله القاري.
وقال المناويُّ: لأنَّهما ضرَّتان، فمتى أرضيت إحداهما أغضبت الأخرى ]
( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يغتسل بالبَــرَاز
فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ حَلِيمٌ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ،
يحبُّ الحَيَاء والسَّتْر، فإذا اغتسل أحدكم فليَسْتَتِر )
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( ما كان الفُحْش في شيء إلَّا شانه، وما كان الحَيَاء في شيء إلَّا زَانَهُ )