قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبُو حَنِيفَةَ ،
وَأَصْحَابُهُ عَلَى إِثْبَاتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ ، وأَوَّلَهُ غَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ
الشَّرِيكُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ شَرِيكَ سَعْدٍ فِي الْبَيْتَيْنِ
وَلِذَلِكَ دَعَاهُ إِلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ ، قَالَ : وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّهُ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ
مَا يَقْتَضِي تَسْمِيَةَ الشَّرِيكِ جَارًا فَمَرْدُودٌ ; فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَارَبَ شَيْئًا
قِيلَ لَهُ جَارٌ ، وَقَدْ قَالُوا لِامْرَأَةِ الرَّجُلِ جَارَةٌ ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُخَالَطَةِ . انْتَهَى
. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ يَمْلِكُ بَيْتَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ
دَارِ سَعْدٍ لَا شِقْصًا شَائِعًا مِنْ مَنْزِلِ سَعْدٍ وَذَكَرَ عُمَرُ بْنُ شَيْبَةَأَنَّ سَعْدًا
كَانَ اتَّخَذَ دَارَيْنِ بِالْبَلَاطِ مُتَقَابِلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا عَشْرَةُ أَذْرُعٍ
وَكَانَتِ الَّتِي عَنْ يَمِينِ الْمَسْجِدِ مِنْهُمَالِأَبِي رَافِعٍ ، فَاشْتَرَاهَا سَعْدٌمِنْهُ
ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ الْبَابِ فَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّسَعْدًا كَانَ جَارًا لِأَبِي رَافِعٍ
قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ دَارَهُ لَا شَرِيكًا ، وقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ :
يَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ الْقَائِلِينَ بِحَمْلِ اللَّفْظَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَنْ يَقُولُوا بِشُفْعَةِ
الْجَارِ ؛ لِأَنَّ الْجَارَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُجَاوِرِ ، مَجَازٌ فِي الشَّرِيكِ
وأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ التَّجَرُّدِ ، وَقَدْ قَامَتِ الْقَرِينَةُ هُنَا عَلَى الْمَجَازِ
فَاعْتُبِرَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثَيْ جَابِرٍ وَأَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهم أجمعين
فَحَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْه صَرِيحٌ فِي اخْتِصَاصِ الشُّفْعَةِ بِالشَّرِيكِ
وَحَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ مَصْرُوفُ الظَّاهِرِ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْجَارُ
أَحَقَّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى مِنَ الشَّرِيكِ ، والَّذِينَ قَالُوا بِشُفْعَةِ الْجَارِ قَدَّمُوا
الشَّرِيكَ مُطْلَقًا ، ثُمَّ الْمُشَارِكَ فِي الطَّرِيقِ ، ثُمَّ الْجَارَ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمُجَاوِرٍ
فَعَلَى هَذَا فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ " أَحَقُّ " بِالحَمْلِ عَلَى الْفَضْلِ
أَوْ التَّعَهُّدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ