من عظمة البيان القرآني أنه يعطينا التعبير العلمي الدقيق
والمختصر في أقل عدد من الكلمات،
فكلمة { مَرَجَ }تتضمن العديد من المعاني أهمها:
يقول العلماء إن هنالك خلطاً ومزجاً مستمراً للماء المالح بالماء العذب،
وهذا الخلط لا يتوقف أبداً،
إذ أن سطح الماء يرتفع وينخفض باستمرار وبنظام محكم،
ويبقى كل ماء منفصل عن الآخر بمنطقة محددة بينهما
هي ما سمّاه القرآن بالبرزخ، هذا البرزخ قد يمتد لعدة كيلو مترات.
ومن معاني كلمة (مرج): خلط ، كما رأينا.
نرى في هذا الشكل نهر الفرايزر الذي ينبع من كولومبيا
ويصب في مياه المحيط المالحة.
ونرى كيف تتشكل الجبهة المالحة والتي تعتبر بمثابة حاجز محكم
تمر من خلاله المياه العذبة إلى المياه المالحة.
ونرى أيضاً كيف يطفو الماء العذب على سطح الماء المالح،
وعندما درس العلماء جريان الماء في هذه المنطقة وجدوه جرياناً مضطرباً،
مع العلم أن الذي ينظر إلى الماء يظنه ساكناً،
وهذا يتوافق تماماً مع قوله تعالى
والمرج هو الاضطراب، فسبحان الذي يعلم السرّ وأخفى!
إذا نظرنا إلى منطقة المصب نلاحظ أن الجريان مستقر،
وأنها منطقة هادئة غالباً.
ولكن التجارب الجديدة في منطقة البرزخ المائي بين النهر العذب
والبحر المالح أشارت إلى أن الجريان هو جريان مضطرب،
وهذه معلومات دقيقة لم يصل إليها العلماء إلا حديثاً جداً [9] .
وهذا هو أحد معاني كلمة (مرج) .
باحثون يقومون بأخذ عينات من ماء ورواسب
من منطقة البرزخ بين النهر والبحر (منطقة المصب)،
لقد وجد هؤلاء العلماء أن هنالك مزجاً مستمراً للماء المالح بالماء العذب،
كما وجدوا اختلافات كبيرة في نسبة الملوحة والحرارة والكثافة
من منطقة لأخرى ومن وقت لآخر،
ووجدوا أيضاً أن الجريان تحت سطح الماء مضطرب،
مع العلم أنه يظهر للعين وكأنه مستقر،
إذن وجدوا ثلاث حقائق في هذه المنطقة وهي:
اضطراب الجريان، واختلاط الماء باستمرار، واختلاف خصائص الماء،
وهذه المعاني الثلاثة تجمعها كلمة واحدة هي { مَرَجَ } ، فسبحان الله!
هنالك اختلاف في درجات الحرارة والملوحة تبعاً لليل والنهار،
المنحني الأسود المتعرج يمثل المدّ والجزر،
أي يمثل ارتفاع مستوى سطح الماء وانخفاضه بين الليل والنهار،
يمثل الخط الأحمر اختلاف درجة الحرارة بين الليل والنهار،
أما الخط الأزرق فيمثل اختلاف درجة الملوحة بين الليل والنهار.
طبعاً عندما يرتفع مستوى سطح البحر
فإن درجة ملوحة الماء تزداد في منطقة البرزخ،
بينما عندما يكون البحر في حالة الجزر،
فإن كمية الماء العذب المتدفقة من النهر تزداد،
وبالتالي تنخفض ملوحة الماء في منطقة المصب.
إلى أن الاختلاف في درجة الملوحة يتبع الليل والنهار والشهر والفصل
ودرجة الحرارة وحركة المد والجزر.
{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ }
ففي هذه الآية الكريمة إشارة إلى الاختلافات
والتغيرات الكثيرة التي نشاهدها خلال الليل والنهار،
ومنها الاختلافات في الحرارة والملوحة في منطقة البرزخ.
وتتضمن كلمة (مرج) هذا المعنى.
منحني بياني يمثل الاختلاف في درجات الحرارة والملوحة،
وذلك في خليجNarragansettحيث يختلط الماء العذب بالماء المالح.
الخط الأحمر يمثل الاختلاف في درجة حرارة الماء،
أما الخط الأزرق فيمثل الاختلاف في درجة ملوحة الماء،
درجة حرارة الماء تراوح بين 3 درجات تقريباً و 6 درجات مئوية
تبعاً لليل والنهر وذلك خلال الشتاء (شهر مارس/آذار) .
أما درجة الملوحة فتنخفض إلى 10 أجزاء بالألف،
وتصل حتى 30 جزءاً بالألف. طبعاً الخط الأسود يمثل المد والجزر،
أي يمثل ارتفاع مستوى سطح الماء وتغيره خلال الليل والنهار [10] .
إن الذي يتأمل التعبير القرآني (برزخ)،
يلاحظ أن هنالك مسافة تفصل بين النهر العذب والبحر المالح،
وهذه المنطقة حساسة جداً، فالبرزخ هو الحاجز بين الشيئين [11] .
وقد ثبُت علمياً أن هذا البرزخ المائي حساس جداً ويجب العناية به،
فهو آية من آيات الله ونعمة ينبغي أن نحافظ عليها،
لقد كان الناس وحتى السنوات القليلة الماضية يجهلون طبيعة
وأهمية وحساسية هذا البرزخ، ولكن اكتشفوا ذلك
بعدما تلوث عدد كبير من مصبات الأنهار في الدول المتقدمة صناعياً،
مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
أن منطقة المصبات تحوي ترسبات في قاعها
تتراكم خلال السنوات الماضية، وكل طبقة تعبر عن سنة،
وتعطي فكرة واضحة عن البيئة السائدة في ذلك الوقت،
وعن نوعية الملوثات التي كان يتم إلقاؤها في هذه المنطقة،
أي أن منطقة البرزخ لها ذاكرة ممتازة !
واليوم تُصرف بلايين الدولارات على تنظيف مصبات الأنهار
في الولايات المتحدة الأمريكية.
إنهم كانوا يجهلون التأثير السيئ للنفايات الصناعية
والملوثات على هذه المناطق الحساسة بيئياً،
ولو أن هؤلاء العلماء علموا بأهمية هذه المناطق لكانوا أكثر حفاظاً عليها.
