وجهات النظر حول أصل الأرقام العربية
أولا : من ذهب إلى أنها هندية أو سندية
من أوائل الذين اختاروا هذا القول المؤرخ أحمد بن يعقوب المعروف باليعقوبي
"إن أول ملوك الهند الذي اجتمعت عليه كلمتهم (برهمن) الملك
الذي في زمانه كان البدء الأول ، وهو أول من تكلم في النجوم ،
وأُخذ عنه علمها ، والكتاب الأول الذي تسميه الهند : الهند سند ،
وتفسيره دهر الدهور ، ومنه اختصر الأرجبهد والمجسطي ، ثم اختصروا
من الأرجبهد الأركند ، ومن المجسطي كتاب بطليموس ، ثم عملوا
من ذلك المختصرات والزِّيجات وما أشبهها من الحساب . ووضع التسعة
الأحرف الهندية التي يخرج منها جميع الحساب والتي لا تدرك معرفتها
وهي . . وهي بالرسم الشرقي الحديث .
وقد ارتضى المسعودي هذا القول كما تقدم،
ونقلتُ من قبل أيضا ققول أبي الريحان البِيروني :
"وكما أن صور الحروف تختلف في بقاعهم ، كذلك أرقام الحساب –
وتسمى : (انك) - ، والذي نستعمله نحن مأخوذ من أحسن ما عندهم".
وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد الخوارزمي الكاتب :
"حساب الهند قوامه تسعة صور".
وذكر أبو الحسن أحمد بن إبراهيم الأقليدسي
في كتابه الفصول في الحساب الهندي
الأرقام التي تعرف بالمشرقية وبالهندية ، ورأيتَ رسمها .
وكذلك فعل كوشيار بن لبان الجيلي في رسالته أصول حساب الهند كما عرفت
وصرح جمشيد الكاشي بهندية الأرقام المشرقية فقال :
"اعلم أن حكماء الهند وضعوا تسعة أرقام للعقود التسعة المشهورة.
وقال طاش كبري زاده في رقوم الحساب :
"وتنسب هذه الأرقام إلى الهند"
"الكلام على السند : هؤلاء القوم مختلفو اللغات مختلفو المذاهب ،
ولهم أقلام عدة . قال لي بعض من يجول بلادهم : إن لهم نحو مئتي قلم .
وذكر هذا الرجل المقدم ذكره أنهم في الأكثر يكتبون بالتسعة الأحرف على هذا المثال . . .
وقد سبق أن الراهب السرياني (سيبخت) نَوَّه بالأرقام التسعة التي عرف
بها الهنود ، وذلك في كتابٍ له وضعه بعد سنة 622م – وهذه السنة
توافق عام هجرة النبي –صلى الله عليه وسلم- ، وتعد هذه أقدم إشارة لتلك الأرقام .
ويبدو أن المذكورين عَنَوا الأرقام المشرقية من غير تعرض للمغربية منها
، وإن كان كلام بعضهم يحتمل إرادة أصل الأرقام التي تشمل المغربية أيضاً
وما تقدم قريباً عن ابن الياسمين في كتابه تلقيح الأفكار يدل على أن
الأرقام بنوعيها تنزع إلى أصل واحد ، وظاهر كلامه يفيد أن ذاك الأصل هو الهند .
وفي هذا العصر قامت ثلة من العلماء والباحثين بنسبة الأرقام المشرقية
والمغربية - على حد سواء - في أصلها إلى االهند أو السند ،
وفي مقدمتهم الدكتور أحمد سليم سعيدان أستاذ تاريخ العلوم في الجامعة
الأردنية ، وعميد كلية العلوم فيها سابقاً ، وعضو مجمع اللغة العربية الأردني
"وهو يعتبر اليوم في طليعة المشتغلين بتاريخ علوم الرياضيات عند العرب" .
ومن أقواله في ذلك ، ما يلي :
"لا شك في أن أرقامنا – سواء منها المستعملة في المشرق باسم الأرقام
الهندية، أو المستعملة في المغرب باسم الأرقام العربية- هي هندية الأصل
أما في بلاد السند (باكستان) التي يبدو أنها كانت المهد
الذي فيه نشأت هذه الأرقام ، فتبقى الأرقام أكثر شبها بأصلها إلى اليوم
وأما سائر بلاد الهند فقد اتخذت لنفسها مجموعة أخرى مغايرة . . .
ونحن الذين لدينا من النصوص ما يؤكد الأصل الهندي لهذه الأرقام،
نجد هذه التسميات منطقية لا شبهة فيها، إلا أن الأجيال السابقة
من المؤرخين لم يطلعوا على كتابات اليعقوبي والبِيْْروني والإقليدسي
وغيرهم، فشكوا في صحة هذه النسبة"
(يُنظر ما كتب عن الترقيم الهندي بالرابط الخاص بذلك) .
وكذلك الأستاذ قدري حافظ طوقان – عضو المجمع العلمي العربي بدمشق
، ونائب رئيس الإتحاد العلمي العربي، ورئيس الجمعية الأردنية للعلوم القائل :
"لقد اطلع العرب على حساب الهنود، فأخذوا عنه نظام الترقيم . . .
وكان لدى الهنود أشكال عديدة للأرقام، هذَّب العرب بعضها وكوَّنوا
من ذلك سلسلتين، عرفت إحداهما بالأرقام الهندية وهي التي تستعملها
هذه البلاد وأكثر الأقطار الإسلامية والعربية ، وعرفت الثانية بالأرقام
الغبارية، وقد انتشر استعمالها في بلاد الغرب والأندلس" .
وقد ارتضى رأيهما الدكتور عبدالحليم منتصر في كتابه تاريخ العلم ودور
العلماء العرب في تقدمه ، والدكتور عبدالله العمري في كتابه تاريخ العلم
عند العرب ، والأستاذ محمود باكير في بحثه : الرقم والعدد بين اللغة
والرياضيات ، والدكتور محمد عبد الحكيم بخاري في كتابه الأرقام العربية
نشرت مجلة اللسان العربي المغربية "المجلد 12 ، الجزء الأول" تعقيبا باسم :
الأرقام العربية في المشرق والمغرب – تقرير وزارة الإعلام في دولة الكويت .
وجاء في هذا التعقيب ، أن الأرقام المستعملة في المشرق والمغرب من أصل هندي
والدكتور عمر فروخ – عضو مجمع اللغة
العربية في القاهرة وعضو المجمع العلمي العربي في دمشق
وعضو جمعية البحوث الإسلامية في بومباي – في كتابه تاريخ العلوم عند العرب .
بل إن الأستاذ عبد الهادي التازي سفير المغرب ببغداد – سابقا- ذكر في
بحث له قدمه سنة (1383هـ/ 1963م) إلى حلقة توحيد الأرقام العربية ،
التي انعقدت في تونس – برعاية الإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية
– أن الأرقام المشرقية والمغربية من أصل هندي ، لكنها مرت بمراحل
ابتعدت فيها عن شكلها الأصلي ، مضيفاً أن المغاربة : "تمسكوا بتحوير
جوهري أدخلوه على الأرقام الواردة . . . ولعل هذا التحوير الجوهري
هو الذي حدا بالعرب أن يتبنوا هذه الأرقام"
(الأرقام المغربية أرقام عربية أصيلة . وتبعه على هذا القول – فيما يبدو
– الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله في بحثه : العالم العربي متجه نحو
استعمال الأرقام العربية المغربية ، إذ قال : "وإذا قلنا بأن الأرقام
المشرقية الحالية والأرقام الغبارية كلاهما من أصل هندي ،
فإن ذلك يرجع إلى تعدد أشكال الأرقام الهندية تبعا لمناطق بالهند
كما لاحظ ذلك البِِيروني ، ولعل العرب اكتفوا من هذه الأشكال بصنفين فقط
نتج عنهما الطريقتان المشرقية والغبارية المغربية إذا صح أن هذه
وقد أكد ابن الحباك محمد بن أحمد التلمساني . . .
أن حساب الغبار من وضع الهنود الذين كانوا يتصرفون به في غبار
مبسوط على لوح وأشكالها تسعة .
وفي ذلك إشارة إلى عادة رش الغبار على الألواح المستعملة لإجراء
الحساب ليمكن رسمها بالأصبع . والأرجح عند البعض في تعليل هذه
التسمية أن هذه الأرقام كانت تكتب بالقلم المسمى "غباري" ؛ لدقته
بالنسبة للأقلام الأخرى ، وهو أصلح للحسابات ، وهذه أيضا نظرية تؤكد
انفصال القلم الغباري عن القلم الهندي . . . فعروبة الأرقام المستعملة
الآن في أوروبا والمغرب قد تكون غير أصيلة نظرا لطابعها الهندي
المحتمل ، غير أن هنالك فرقاً بين الشكل الهندي الأول وبين ما أصبح
العرب يستعملونه من أرقام وَصفتها أوروبا بأنها عربية .
هو الإقرار بأن أصل الأرقام بنوعيها هندي ، رغم ما وقع فيها من تغيير
وذهب الدكتور محمد السمان إلى نحو هذا عندما قال :
"لكن الفزاريلم ينقل الأرقام الهندية ، وإنما استوعب فكرتها وتوصل
إلى وضع رموز عربية مستوحاة منها ، ومع الأيام ظهرت أجيال جديدة
ومتعددة لهذه الرموز . . . وفي الوقت الذي تمكن فيه العرب بجهودهم
وممارساتهم العلمية من تطوير الأرقام إلى هذين النوعين انطلاقاً
من تصور هندي سابق كانت أوروبا في ظلام الجهل"
( وأما ما ذكره من وضع الفزاري للأرقام فإنه لا دليل عليه
كما سيأتي إن شاء الله تعالى ) .
ويرى العلامة السيد عبد الله بن محمد بن الصِّديق الغماري :
أن ما يستعمله المشارقة من أرقام هي هندية ، بخلاف الأرقام المغربية
كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وذهب إلى هذا الرأي أيضاً محمد السراج الأستاذ بجامعة القرويين سابقاً
(عن / الطابع العربي في الأرقام الرياضية – مع أن بداية بحثه
هذا فيه نوع من المخالفة للنتيجة المذكورة التي توصل إليها) .
وناقضهما الدكتور قاسم السامرائي
إذ رأى أن الأرقام التي يستعملها المغاربة اليوم "هي هندية ، سنسكريتية
، آرية ، برهمية الأصل ، جاءت إلى الغرب من الترجمات العربية لكتب
الحساب الهندي ، فلما ترجمت هذه الكتب من العربية إلى اللاتينية
ظن الأوربيون أنها أرقام عربية"
(تاريخ الخط العربي وأرقامه)
بخلاف الأرقام المستعملة في المشرق كما سيأتي إن شاء الله تعالى
(وتنظر آراء جماعة من الغربيين في هذه المسألة على عمومها
في مقدمة تحقيق الفصول في الحساب الهندي ، وغيره ،
وقد تقدم شيء من ذلك عند الحديث عن الترقيم الهندي) .
وبعد هذا فإنه ينبغي تحديد التاريخ الذي انتقلت فيه الأرقام من الهند
أو السند إلى العرب بناء على هذا القول الأول
إن أول إشارة للأرقام الهندية هي التي ذكرها الراهب السرياني (سبيخت)
– الذي كان في دير قِنِّسرين – في كتاب له وضعه بعد سنة 622 م
وهذه السنة توافق عام هجرة نبينا – صلى الله عليه وسلم – منوهاً
بعلوم للهند غفل الناس عنها ، ومن ذلك أنهم بتسعة إشارات فقط
(يُنظر ما تقدم آخر الكلام عن الترقيم الهندي) .
لكن الغموض اكتنف تاريخ هذه الأرقام بعد تلك الإشارة المجملة ،
إلى منتصف القرن الثاني الهجري في عهد أبي جعفر المنصور ثاني
خلفاء بني العباس ، حيث أُعجب العرب بعلم الفلك الهندي الذي قادهم
تلقائياً إلى تعلم حساب الهنود وأرقامهم ، وكيفية ذاك الاتصال الديواني الأول
يحكيها لنا صاعد الأندلسي في كتابه طبقات الأمم فيقول :
"وأما علم النجوم فأول من عُني به في هذه الدولة محمد بن إبراهيم الفزاري
وذلك أن الحسين بن محمد بن حميد المعروف بابن الأدمي ، ذكر في زِيْجه
الكبير المعروف بِنَظْم العقد :
أنه قدم على الخليفة المنصور في سنة ست وخمسين ومئة ، رجل
من الهند بالحساب المعروف بالسند هند في حركات النجوم . . . في كتاب