الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وبعد:
فأولى الأشياء بالتعهد والمراقبة ومحاولة الإصلاح نفسك التي بين جنبيك
إذ تدور نجاة العبد على مدى صلاح نفسه وتقواها.
والمؤمن في هذه الحياة لا يرى نفسه بمعنى أنه لا يرى لنفسه فضلا،
بل يرىنفسه أهلا للمقت في ذات الله عز وجل؛ ولهذا فهو لا يزكي نفسه

والقرآن يحذر من تزكية النفس بمعنى مدحها والثناء عليها
}هُوَأَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْأَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ
فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَأَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى{
وذم القرآن اليهود والنصارى الذين زكوا أنفسهم
}أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا{
وذلك أنهم قالوا، كما حكى عنهم القرآن:
}نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ{
ورد عليهم ربنا تبارك وتعالى بقوله :
}قُلْفَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ
وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ{
المائدة - 18
ولا يجوز لمن يعمل الصالحات أن يذكرها بعد الفراغ منها
إلا تحديثا بنعمة ربه عليه:
}وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث{
)من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها(
أو دفاعا عن نفسه أمام اتهام ألصق به وهو منه برئ، أو لغير ذلك
من الأسبابالباعثة، وهذا مشروع لمن قوى باطنه في المعرفة بالله،
وعدم الالتفات إلىما سواه، وأمن على نفسه من تسلل آفتي العجب والرياء
ولم يكن قصده اكتسابمحمدة الناس والمنزلة عندهم
وقل من يسلم من ذلك.. والله المستعان.
فليحذر المسلم
من إعجابه بنفسه، وما يقدمه من حسنات وصالحات،
واعتقاده أنهوحده المفلح، وغيره من الخاسرين، أو أنه وجماعته
هم "الفرقة الناجية" وكلالمسلمين من الهالكين، أو أنهم وحدهم
"الطائفة المنصورة" وغيرهم منالمخذولين!.
إن هذه النظرة إلى النفس هي "العجب المهلك"، وتلك النظرة
إلى المسلمين هي "الاحتقار المردي".
وفي الحديث الصحيح
( إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم )
روى الحديث بضم الكاف وبفتحها، ومعنى الضم: أنه هو "أهلكهم"،
بمعنى أسرعهموأشدهم هلاكا، لغروره بنفسه، وإعجابه بعمله، واحتقاره لغيره.
ومعنى الرواية بالفتح "أهلكهم": أنه الذي تسبب ـ هو وأمثاله ـ
في هلاكهم، بالاستعلاء عليهم، وتيئيسهم من روح الله.
وهذا النهي لمن قال ذلك، عجبا بنفسه، وتصاغرا للناس،وارتفاعا
عليهم، فهذا هو الحرام. وأما من قاله لما يرى في الناس من نقص
فيأمر دينهم، وقاله تحزنا عليهم، وعلى الدين، فلا بأس به.
فكذا فسره العلماءوفصلوه، وممن قاله من الأئمة الأعلام:
مالك بن أنس، والخطابي، والحميدي،وآخرون.
وفي الحديث الصحيح الآخر: "
( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم )
فمن حق المسلم على المسلم: ألا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره،
وكيف يحقر الإنسان أخاه، وهما فرعان من أصل واحد؟.