وذلك بالخوف منه ومراقبته، وفعل ما أمر واجتناب ما نهى عنه،
وأن يستحي المؤمن أن يراه الله حيث نهاه، وهذا الحَيَاء يمنع صاحبه
مِن ارتكاب المعاصي والآثام؛ لأنَّه مرتبطٌ بالله يراقبه في حِلِّه وترحاله.
وذلك عندما يستشعر المؤمن بأنَّ الملائكة معه يرافقونه في كلِّ أوقاته،
ولا يفارقونه إلَّا عندما يأتي الغائط، وعندما يأتي أهله.
وهو دليلٌ على مروءة الإنسان؛ فالمؤمن يستحي أن يؤذي الآخرين
سواءً بلسانه أو بيده، فلا يقول القبيح ولا يتلفَّظ بالسُّوء، ولا يطعن أو يغتاب
أو ينم، وكذلك يستحي مِن أن تنكشف عوراته فيطَّلع عليها النَّاس.
إذا تعلَّق الحَيَاء بأمر دينيٍّ، يمنع الحَيَاء مِن السُّؤال فيه أو عرضه في تعليم
أو دعوة، فإنَّ ممَّا ينبغي حينها، رفع الحرج، ومدافعة هذا الحَيَاء الذي يمنع
مِن التَّحصيل العلمي أو الدَّعوة إلى الله سواءً عند الرِّجال أو النساء
فقد ورد أنَّ أمَّ سليم رضي الله عنها :
( جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت: يا رسول الله إنَّ الله لا يستحيي مِن الحقِّ،
فهل على المرأة مِن غسلٍ إذا احتلمت ؟
قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:
إذا رأت الماء. فغطَّت أمُّ سلمة -تعني وجهها- وقالت: يا رسول الله وتحتلم المرأة ؟!
قال: نعم، تَرِبَت يمينك، فيمَ يشبهها ولدها )
[ إنَّ هذا العلم لا يتعلَّمه مستحٍ ولا متكبِّرٍ ]
( أنَّ أبا موسى قال لعائشة -رضي الله عنها-: إنِّي أريد أن أسألكِ
عن شيءٍ وإنِّي أستحييك. فقالت:
لا تستحيي أن تسألني عمَّا كنت سائلًا عنه أمَّك التي ولدتك، فإنَّما أنا أمُّك.
قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إذا جلس بين شُعَبِها الأربع، ومسَّ الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل )
ورُوِي عن الأسود ومَسْرُوق قال:
( أتينا عائشة لنسألها عن المباشرة للصَّائم، فاستحينا فقمنا قبل أن نسألها،
فمشينا لا أدري كم، ثمَّ قلنا: جئنا لنسألها عن حاجة ثمَّ نرجع قبل أن نسألها ؟
فرجعنا فقلنا: يا أمَّ المؤمنين، إنَّا جئنا لنسألك عن شيء فاستحينا فقمنا.
فقالت: ما هو؟ سلا عمَّا بدا لكما.
قلنا: أكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم؟
قالت: قد كان يفعل ذلك، ولكنَّه كان أملك لإرْبِه منكم )
الحَيَاء مِن الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر:
الحَيَاء لا يمنع المسلم مِن أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر،
{ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ }
بل الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر سمة مِن سمات هذه الأمَّة،
{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }
والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مع شدَّة حيائه، لم يثنه ذلك عن قول الحقِّ،
ويتبيَّن ذلك في موقفه مع أسامة بن زيد رضي الله عنهما، حينما أراد
أن يشفع في حدٍّ مِن الحدود، فلم يمنعه حياؤه صلى الله عليه وسلم مِن أن
( أتشفع في حدٍّ مِن حدود الله؟! ثمَّ قام فاختطب،
ثمَّ قال: إنَّما أهلك الذين قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرق فيهم الشَّريف تركوه،
وإذا سرق فيهم الضَّعيف أقاموا عليه الحدَّ،
وايم الله لو أنَّ فاطمة بنت محمَّد سرقت لقطعت يدها )