وهذا ما قاله – أيضًا - الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم
فيما ما صح في الحديث :
( آيَةَ الْمُنافِق ثَلاثٌ : إِذا حَدَّثَ كَذَب ، وَإِذا وَعَد أَخْلَفَ ، وَإِذا اؤْتُمِنَ خَانَ )
[ متفق عليه ]
وفي الحديث الآخر :
( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ,
وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ , حَتَّى يَدَعَهَا :
إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ )
[ متفق عليه ]
فهو فاجر في خصومته يرمي الآخرين بما ليس فيهم .
ومن الأدب مع من يخالفك : عدم الإلزام بما لم يلتزمه المخالف ،
فمن الإنصاف : عدم تقويل الشخص ما لم يقله ، أو إلزامه بما لم يلتزم به ،
وعدم تحميله ما لم يتحمله ، وإزالة اللبس عن كلامه ،
وحمل كلامه على ما يريد ،
ولو استطاع أن يحمله على أحسن المحامل فذاك حسن .
ونبراسنا في هذا :
ما جاء في الحديث عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنه – قَالَ :
( بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَرِيَّةٍ ،
فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلاً ،
فَقَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، فَطَعَنْتُهُ .
فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِك َ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَقَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ ؟
قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنْ السِّلاحِ .
قَال َ: أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لا ؟ ،
فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ )
[ متفق عليه ]
فمن الإنصاف : أن لا نسيء الظن بغير بينة واضحة ،
بل يجب أن نكف في حال اللبس حتى تكون الصورة واضحة جلية ،
( روي أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الشهادة،
فقال له :هل ترى الشمس ؟ .
قال : نعم .
قال : على مثلها فاشهد أو دع )
[ رواه الحاكم والبيهقي ، وضعفه الحافظ ابن حجر وغيره ،
وقال ابن حزم - رحمه الله : لا يصح سنده ، لكن معناه صحيح ]
يقول ابن القيم - رحمه الله :
[ وكل أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم
ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه مِن الألفاظ ،
ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه مِن الألفاظ ، ومَن رزقه الله بصيرة ،
فهو يكشف به حقيقة ما تحت تلك الألفاظ من الحق والباطل،
ولا تغتر باللفظ ]
كما قيل في هذا المعنى :
تـقـول هــذا جنى النـحل تمـدحـه وإن شـئت قلت ذا قيء الزنابـيـر
مدحًا وذمًا وما جاوزت وصفهما والحـق قـد يعـتـريه سوء تعـبيـر
فإذا أردتَ الاطلاع على كنه المعنى : هل هو حق أو باطل ؟
فجرده من لباس العبارة ، وجرد قلبك عن النفرة والميل ، ثم أعط النظر حقه،
ناظرًا بعين الإنصاف ، ولا تكن ممن ينظر في مقالة أصحابه
ومَن يحسن ظنه به نظرًا تامًا بكل قلبه ،
ثم ينظر في مقالة خصومه ومَن يسيء ظنه به كنظر الشزر والملاحظة ؛
فالناظر بعين العداوة يرى المحاسن مساوئ ، والناظر بعين المحبة عكسه ،
وما سلم مِن هذا إلا مَن أراد الله كرامته ، وارتضاه لقبول الحق ،
وقد قيل :
وعـيـن الرضا عـن كل عيب كـليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا
وقال آخر :
نظروا بعين عداوة لو أنها عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا
ولهذا جاء في دعائه - صلى الله عليه وسلم :
( اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ ،
وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ , وحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا ، ولِسَانًا صَادِقًا ،
وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ ،
وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ )
[ رواه أحمد والنسائي وابن حبان ، وصححه الألباني ]
ومن الأدب مع المخالف :
الإنصاف في نقل الشبهات عن أهلها والرد عليها ،
ونقصد بذلك أن المسلم إن احتاج أن ينقل شبهة قد انتشرت واستشرت
فلينقلها دون أن يُغفل بعض مواطنها ؛ ليكون منصفًا ،
فإنه لا بد أن ينقلها بأمانة .
وليعلم بأن على الحق نورًا ، وأن عليه أن يبحث عن الحق ،
ويتعب نفسه في الاستقصاء للدفاع عنه ،
والقيام بما هو واجب عليه في الرد على الشبهات .
أما في حال الخوف مِن عدم القدرة على أداء هذا الواجب كما ينبغي ؛
فليُحل الأمر لغيره حتى لا يسيء مِن حيث لا يدري .
وفي " القرآن الكريم "
نفائس مِن الردود على المخالفين بعد نقل شبهاتهم ،
قال تعالى :
{ وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا
َ فلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }
[ البقرة :80 ]
من ذلك : قوله – تعالى :
{ وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ
بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }
[ البقرة : 116 ]
وقوله – تعالى :
{ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ
وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ }
[ التوبة : 81 ]
وقوله – تعالى :
{ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ }
[ فصلت : 15 ]
فَنَقـْل الشبهة حيث قالها صاحبها
ثم الإتيان عليها بالرد المفحم كفيل بقطع كل حجة بكل أدب وإنصاف ؛
فهلا كنا مِن المؤمنين الأطهار قولاً وفعلاً ؟!
أسأل الله – تعالى - لنا جميعًا ذلك ، آمين .