الدرس الرابع: تصحيـــح مفهوم العبـــوديـة ..
ثم تكلَّم الرحمن سبحانه وتعالى عن الذي يعمل عملاً ثمَّ يتوقف بعده
كالذين يعملون الطاعات طوال رمضان، ثمَّ بعد ذلك يمضون إلى حــال سبيلهم
يظنون أن رمضان مجرد استراحة على الطريق.
{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى }
وَأَكْدَى: أي منع .. تقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ ببعض الأعمال،
ثمَّ بعد ذلك توقَّف .. يظن أنه بانتهاء رمضان قد انتهى شهر العبادة ..
وبعد شهر الطاعات يتفرَّغ إلى شؤون الحياة
وما كان فيه من أعمال دنيوية !!
{أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى}
هل تعرف أقُبِلَ عملُكَ أم لا ؟
أتريدني أن أترك أعمالي لأتفرَّغ للعبادة طوال العام ؟
عليك أن تعلم أن العبودية لا تقتصر على أداء بعض الطاعات من صيام
وقيام وتلاوة قرآن فحسب ..
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
العبودية : أن تكون حيـــاتُكَ كلها لله ..
أن تكون في عملك مبتغيًا وجه الله .. أن تكون في المسجد، في الشارع،
في كل مكان تبتغي وجه الله وحده ..
فالأمر كله مُتعلقٌ بنيتــــك وفهمك لمعنى العبوديـــة،،
وليس مطلوبٌ منك أن تعتكف طوال العام،
بل عليك فقط أن تعيــش لله وليس أن تعيــش لنفسِك ..
فتصير أقصى طموحــاتك: أن تكون عند الله مرضيًا،
وهذا ما ينبغي أن تكون قد تعلمته من درس رمضان.
الدرس الخــامس: أنك مُحاسبٌ على أعمــالك ..
{ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى
أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }
فلن تنفعك عائلتك ولا أسرتك ولا أولادك ولا أصدقائك ..
أو أيٌ من الأمور التي تنشغل بها وتلتفت بها بعيدًا عن الله تبارك وتعالى ..
لأنك ستُجزى وتُحــاسب على عملك وحدك ..
{ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى }
فليس لك إلا ما قدمت، فلا تنشغل بغير الله تعالى ..
{ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى }
فإما يُقال لسعيك: هذا سعيٌ مشكــور أو يُقال: هذا سعيٌ مردود والعياذ بالله
فانظر ماذا تحب أن تُجزى على سعيك واعمل له،،
عــلاج الانتكــاس والفتــور بعد رمضــان
أرشدنـــا الرحمن جلَّ وعلا إلى طريــق الهدايــة في وسط تلك الغواية ..
إلى الصراط المستقيم بين يدي هذه الفتن ..
وإلى كيفية تحقيق المعادلة الصعبة للاستقامة ..
الوصيــة الأولى: انطرح بين يدي ربِّك ..
{ أَزِفَتِ الْآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ }
فإذا ضاقت بك الأمور وأحاطت بك الفتن من كل جانب وحيل بينك
وبين كل سُبُل النجاة، انطرح بين يدي ربِّك وادعوه أن يُنجيــك ..
{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ..}
من يكشف عنا الفتن التي نعيش فيها إلا ربُّنـــا سبحانه وتعالى ؟؟
{ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا }
وأنت في الصلاة، خــاشع مُتبتِل مُتذلل لله تبارك وتعالى
ادعوه أن يُخَلِّصَكَ من الفتن، وأن يتقبَّل منك،
وألا يدعك للغفلة بعد رمضان ادعوه أن يجعلك على صراطٍ مستقيم ..
{ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا
وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }
فنهانا الله عزَّ وجلَّ عن إفســاد الأرض بالمعاصي بعد إصلاحها بالطاعات ..
وكذلك قلبـــك الذي تذوَّق حلاوة الإيمان في رمضان،
لا تُفسِد فيه بعد إصلاحه ..
ستقول: كيف أستقيم وأصلِح من حال قلبي ونفسي؟
{.. ادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ..}
أي: عليـك بهذا الزاد الذي لا ينبغي لك أن تستخف به:
عبوديـــة رفع يديـــك إلى السمــاء.
ادعوه وأنت خائفٌ وَجِل ألا يتقبَّلك ..
ادعوه وأنت تطمع في رحمته ..
وكلما جوَّدت عملك وأحسنت فيه، كانت رحمة الله أقرب منك،،
الوصية الثانية: وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّة ..
تخيَّل شخصٌ قد بنى عمارة وأرتفع بها عدة أدوار،
وإذ فجأةً قرر أن هذه البناية لا تعجبه .. فهدمها !!
وأنت بعد أن تذوقت شيئًا من القُرب من الله عزَّ وجلَّ، كيف تتولى وتُعْرِض ؟
لا تنقض الغزل من بعد قوةٍ أنكاثـــًا،،
الوصيــة الثالثة: تجديـــد أهدافك الإيمانيـــة طوال العام
فكلما انتهيت من هدف إيماني، عليك أن تنتقل إلى هدف إيماني جديــد
وبعد أن انتهيت من رمضان، لابد أن تسأل الله أن يتقبله منك
وتَعُد العُدَّة لموسم الحج ..
وليكن قلبك مُتعلقًا بالحج والبيت الحرام، حتى وإن لم تحُج ..
واعلم أن الفائز الأول في رمضان هذا العـام، هو:
{ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }
هذه وصايـــا ثلاث بين يدي ما بعد رمضان، لعل الله عزَّ وجلَّ أن يتقبَّل منا
وأن يأخذ بأيدينا إليه أخذ الكرام عليه، إنه ولي ذلك والقادر عليه،،
و ليكن شعارك فى هذة الحياة
{ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }
{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }