{ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى }
[ سورة النجم : 19 ـ 20 ] .
لو حذفت كلمة { الْأُخْرَى } لاختلت الفاصلة ولتأثر الإيقاع،
ولو قيل أفرأيتم اللات والعزى ومناة الأخرى
بحذف كلمة { الثَّالِثَةَ } لاختل الوزن أيضاً.
{ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى }
[ سورة النجم : 21 – 22 ].
فلو قيل ألكم الذكر وله الأنثى تلك قسمة ضيزى،
بحذف كلمة (إذن) لاختل الإيقاع المستقيم بكلمة (إذن).
فكأن هذه الكلمات والحروف موزونة بميزان شديد الحساسية
تميله أخف الحركات والاهتزازات.
ومن هنا يبدو لنا بجلاء سبب إطلاق العرب الأوائل
في بداية نزول الوحي اسم الشعر على القرآن الكريم،
لأنهم لم يعهدوا هذه الحساسية وهذا الوزن وهذا النغم إلا في الشعر.
ولكنهم عندما قاسوه على أوزان الشعر المعهودة لديهم،
وجدوا القرآن الكريم ـ بالرغم من اشتماله على روعة الشعر وإيقاعه
وحساسيّته وتآلف كلماته واستخدامه التصوير البارع في التعبير،
والمنطق الساحر في الإقناع ـ
لم يتقيد بقيود الشعر الكثيرة من قافية موحدة وتفعيلة تامة.
أن القرآن الكريم ملك حرية التعبير الكاملة عن جميع أغراضه العامة
كما أنه بفواصله الخاصة به قد أوجد الإيقاع الخاص به
فلم يملك قائلهم إلا أن يقول:
إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسلفه لمُغدق، وإن أعلاه لمُثْمر،
وإنه يعلو ولا يُعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته.
كتاب مباحث في إعجاز القرآن - تأليف الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم
من ص: 133 إلى ص : 142 طبعة دار القلم .