الأخت/ المــلــكة نـــــور
الإعجاز التربوي في سورة يوسف
تمثل قضيَّة التربية في قصَّة سيدنا يوسف عليه السلام
مرتكزاً أساسياً من المرتكزات الأخلاقية التي تقوم عليها أحداث القصة،
وتدعو إليها مواقفها المختلفة. وذلك عبر اللفتة الموحية والإشارة الدالة
التي حملتها كلمة( رَبّ ) في البناء اللغوي البياني المعجز في السورة .
واسم ( الربّ ) يطلق في اللغة على المالك، والسيّد، والمدبر، والمربي،
والقيّم، والمنعم . (انظر: لسان العرب/م1/ص399).
من هنا فإن أول ما تحمله سورة الفاتحة بعد البسملة
{ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
ذلك أن الحمد كله لله المنعم
المتفضل الذي لولا إنعامه على خلقه لما كان لهم وجود ولا بقاء.
ولا يطلق اسم ( الرب ) غير مضاف إلا على الله سبحانه وتعالى
( ولم يرد على هذا النحو في القرآن الكريم ) .
أما إذا أضيف فقد يُقصد به الله سبحانه وتعالى، مثل
{ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }
{ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى }
وقد يُقصد به بعض خلقه كقولنا : ( ربّ المنزل، ربّ العمل ) .
إذاً المعاني التي تقوم عليها عملية التربية من الرعاية والاهتمام والتدبير
وغير ذلك . من هنا ، من هذه الكلمة ( الرب )
ينطلق البحث في قضية التربية في قصة يوسف ( عليه السلام ) .
عرضت لنا القصة ثلاث مراحل في حياة سيدنا يوسف :
o مرحلة الطفولة : من ذكر الرؤيا حتى وصوله إلى بيت عزيز مصر .
{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } .
o مرحلة الرجولة والنضج : ( يقول المؤرخون
إن بين رؤياه واجتماعه بأبيه و إخوته في مصر أربعون سنة ) .
فكيف نتلمّس دور المربي ( الله سبحانه وتعالى )
في حياة يوسف عليه السلام عبر أطوارها المتتالية، وظروفها المختلفة ؟
أول ما يطالعنا من قصة يوسف عليه السلام ذكر سيدنا يوسف رؤياه لأبيه،
وهو في مرحلة مبكرة من العمر (12 سنة حسب أرجح الأقوال ) ،
ويدرك أبوه يعقوب عليه السلام
أن ما رآه ابنه في رؤياه إنما هو من دلائل النبوة، فيبشّره :
{ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ
وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ
كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .
يأتي ذكرها في الآية حكاية عن سيدنا يعقوب ( عليه السلام ) :
{ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ }: أي يختارك ويصطفيك لمهمة سيوكلها إليك.
وهذه المهمة تحتاج إلى تهيئة وتدريب و استعداد،
وأنت ما تزال طفلاً صغيراً.
ولكن الذي يختارك ويجتبيك هو { ربّك } أي هو القائم على شؤونك،
وقد خصّه سيدنا يعقوب بكاف الخطاب في قوله { ربّك }
إشعاراً له بخصوصية العلاقة بينه وبين الله سبحانه وتعالى،
وإيناساً له وهو في هذه السن المبكرة.
بعد مرحلة الاجتباء والاختيار، تأتي مسألة التهيئة
{ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ }
وتأويل الرؤيا و تعبيرها معجزة أيدّه الله بها ،
لتكون عوناً له في المهمة الموكلة إليه .
{ ويُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ }
وهذه الواو تعني اجتماع هذه الأمور لسيدنا يوسف
فالاختيار ثم تعليمه تأويل الرؤيا وحدهما لا يعنيان إتمام النعمة.
{ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ }