لقد تعلم سيدنا يوسف من المحن السابقة درس ( الاعتماد على الله )
فربّه هو الذي حفظه في مرحلة الطفولة وذلك دون طلب منه
إذ كان ما يزال صغيراً، لا يدرك أمور الحياة أو يتفهم طبائع الأحداث .
وكذلك حين راودته امرأة العزيز عن نفسه، قام مربيه { ربّه }
بدوره في التربية وأراه البرهان ليحفظه ويصرف عنه السوء والفحشاء ....
لذلك لما أدرك سيدنا يوسف أن إقناع امرأة العزيز بعدم ارتكاب الفاحشة
أمر لم يعد ممكناً التجأ إلى ربه التجاءً واضحاً مباشراً
طالباً العون منه سبحانه وتعالى
{ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ
وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ } .
تلك كانت مرحلة الاجتباء والتربية التي أشار إليهما الله تعالى
{ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ }
فـ ({ يَجْتَبِيكَ }=الاختيار )و ({ رَبُّكَ }=التربية والرعاية ).
تأويل الرؤيا والدعوة إلى الله تعالى : مرحلة التعليم كانت في مصر
كما أخبرنا الله تعالى بقوله :
{ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ
عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا
وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ } .
كان المعجزة التي أيد الله بها سيدنا يوسف للدلالة على صدق نبوته،
فقد اقترن وجودها في القصة
بدعوة يوسف عليه السلام إلى عبادة الله وتوحيده .
في السجن يبدأ سيدنا يوسف بالدعوة إلى الله،
مستفيداً من حاجة الفتيين إلى تأويل رؤياهما وقد طلبا منه ذلك،
وقبل أن يؤوّل لهما رؤياهما، يؤكد لهما قدرته على معرفة بعض المغيبات
{ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا }
{ ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي }
أي هذا بعض ما خصّني به الله
الذي اختارني وحفظني ورعاني وربّاني وأعدّني لتبليغ رسالته .
إذاً إن أول ما يظهر من دلائل العلم الذي وهبه الله لسيدنا يوسف
ما كان من أمر الرؤيا التي رآها كل من الرجلين اللذين دخلا معه السجن
وهذا ما كان بشره به سيدنا يعقوب
{ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ }
{ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ }
ونلاحظ هنا استخدام سيدنا يوسف كلمة { ربّي }
{ ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي }
وذلك تأكيداً منه على أنّ ما به من فضل، وما لديه من علم،
ما كان ليكون لولا أن الله الذي ربّاه وحفظه قد وهبه هذا العلم.
ثم يبدأ في السجن دعوته إلى الله،
ولنقرأ فيما قاله أثناء ذلك العبارات التالية :
·{ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }
· { مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا }
·{ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }
· { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم
مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ } .