عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 08-27-2013, 05:33 PM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي

نلاحظ أن سيدنا يوسف يستخدم في دعوته لفظ الجلالة { الله } ،
دون كلمة (رب)،
ذلك أن اسم { الله } جامع لأسماء الله الحسنى وصفاته العليا ،
ففيه صفات العظمة والجلال وصفات الفعل والقدرة والقوة
وصفات العدل و الإحسان و الجود وصفات الإعزاز والإذلال و القهر..
وغير ذلك من صفاته تعالى .
وهذا توازن في الدعوة إلى الله
التي يفترض فيها أن تجمع بين الترغيب و الترهيب.
وكلمة (الربّ) تحمل معاني التربية والرعاية والقوامة
وهذه كلها تندرج في أبواب الرحمة، أي الترغيب .
بعد أن دعا سيّدنا يوسف الفتيين إلى عبادة الله وتوحيده
عاد إلى ما سألاه عنه من تأويل الرؤيا.
ولما انتهى من تأويل رؤياهما
{ قَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ }
[ يوسف : 42 ]
أي عند سيدك. لكن الساقي نسي ذكر يوسف لدى سيّده
{ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } .
[ يوسف : 42 ]
وسبب بقائه في السجن ـ حسب ما رأى المفسرون ـ
أنه التمس النجاة من محنته هذه في أن يذكره ساقي الملك عند سيّده،
عله ينظر في أمره ويخرجه من السجن،
ولم يسأل الله تعالى النجاة من هذه المحنة
{ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } .
[ يوسف : 42 ]
ولعلنا نلاحظ هنا
أن الله تعالى أراد أن يعلم سيدنا يوسف
ألا يلتجئ في محنه إلا إلى ربه الذي حفظه ونجاه من محنه السابقة كلها،
فأبقاه في السجن بضع سنين تعليماً وتأديباً،
والتأديب جزء من التربية التي تلقاها يوسف عن ربه .
بعد أن لبث يوسف عليه السلام في سجنه ـ تعليماً وتأديباً ـ بضع سنين،
يأتي سؤال الملك عمن يؤول رؤياه ليخرج الله سيدنا يوسف من السجن،
وليظهر براءته في أمره مع امرأة العزيز والنسوة اللواتي قطعن أيديهن،
وليجعله على خزائن الأرض .
وهكذا يهبه { رَبِّهِ } بما علمه من تأويل الأحاديث مجداً وعزة،
وقوة وسلطاناً، وهو الذي دخل مصر عبداً يباع بثمن زهيد.
لقاء يوسف ( عليه السلام ) بأبويه وإخوته :
تدور الأحداث ويلتقي سيدنا يوسف بأبويه وإخوته
{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا }
[ يوسف : 100 ]
ويأتي اعتراف يوسف عليه السلام بفضل ربّه عليه، ورعايته له ،
وحفظه إياه ، في مراحل حياته كلها ووقف أمام ما آلت إليه الأمور
{ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ
قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ
َ وجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي
إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } .
[ يوسف : 100 ]
ثم يتوجه إلى صاحب الفضل ، إلى ربه،
بالشكر والحمد والدعاء بأن يتوفاه مسلماً ويلحقه بالصالحين،
فتأتي الآية الأخيرة في قصة سيدنا يوسف
{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ
فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ
تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } .
[ يوسف : 101 ]
إنه سيدنا يوسف الذي اجتباه الله سبحانه و تعالى ، وعلمه،
وأتم نعمته عليه، يقف أمام ربه خاشعاً، خاضعاً، متذللاً،
يقر باستمرارية الحاجة إليه، وافتقاره إلى رحمته،
وفي هذا عرفان بالجميل وإقرار بالفضل ،
لا يصدر إلا عمن أدَّبه الله تعالى فأحسن تأديبه .
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رد مع اقتباس