قرأت في أحد المواقع أن صلاة الجمعة لها سنة تصلى قبلها ، أربع ركعات
، وذكر الموقع جوابكم على السؤال رقم (6653) وأجاب عليه وأورد
أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وآثاراً عن الصحابة أنهم كانوا
يصلون أربعاً قبل الجمعة .
صلاة سنة راتبة قبل صلاة الجمعة مما اختلف فيه العلماء ، ومثل هذه
المسائل الاجتهادية لا ينكر أحد من المختلفين على الآخر ، ولا يجوز
أن تكون مثاراً للجدال أو التعصب ، أو سبباً لحصول النفرة بين طلاب العلم .
ويجب في هذه المسائل وغيرها رد التنازع إلى الكتاب والسنة ،
كما أمر الله تعالى بذلك في قوله :
} فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا {
ومن ظهر له صواب أحد القولين اتبعه ، وعمل به ، من غير أن ينكر
وينظر جواب السؤال رقم (70491) لمعرفة موقف المسلم من المسائل الاجتهادية .
ولا مانع من المباحثة في هذه المسائل للوصول إلى الصواب .
والأحاديث ـ وكذلك الآثار عن الصحابة ـ الواردة في صلاة أربع ركعات
أو غيرها قبل الجمعة ، لا تدل على أن هذه الركعات سنة راتبة قبل الجمعة
كما هو الحال في صلاة الظهر مثلاً ، بل تدل على مشروعية الصلاة قبل الجمعة
وهذه الصلاة تعد من النفل المطلق، وليست من السنة الراتبة .
وقد جاء هذا في أحاديث كثيرة ، منها :
عن سَلْمَانَ الْفَارِسِي رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم :
( لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ
أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ ، فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ،ثُمَّ يُصَلِّى مَا كُتِبَ لَهُ
ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى )
وعن ثعلبة بن أبي مالك أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون
يوم الجمعة حتى يخرج عمر .
أخرجه مالك في "الموطأ" (1/103) وصححه النووي في "المجموع" (4/550).
كان ابن عمر يصلي قبل الجمعة اثنتي عشرة ركعة .
عزاه ابن رجب في "فتح الباري" (8/329) لمصنف عبد الرزاق .
ولا يصح أن تكون هذه الأدلة دالة على وجود سنة راتبة لصلاة الجمعة ،
تُصلى قبلها ، لأن هذه الصلاة [السنة الراتبة] لم يكن لها وقت تصلى فيه
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان صلى الله عليه وسلم يخرج
من بيته إلى الجمعة ، ثم يصعد المنبر ، ويؤذن المؤذن ، ثم يقوم
الرسول صلى الله عليه وسلم ويخطب خطبته ، ثم ينزل فتقام الصلاة ، ويصلي .
فيقال لمن أثبت هذه السنة الراتبة :
متى كانت تصلى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
فإن قال : كانت تصلى بعد الأذان ، فهذا لا أصل له في السنة .
وإن قال : كانت تصلى قبل الأذان ، فهذه ليست سنة راتبة ، وإنما هي نفل مطلق
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وأما سنة الجمعة التي قبلها فلم يثبت فيها شيء "
وقال ابن القيم رحمه الله :
" وكان إذا فرغ بلال من الأذان أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة
، ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة ، ولم يكن الأذان إلا واحدا ، وهذا يدل
على أن الجمعة كالعيد لا سنة لها قبلها ،
وهذا أصح قولي العلماء ، وعليه تدل السنة ،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته ، فإذا رقي المنبر أخذ
بلال في أذان الجمعة ، فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم
في الخطبة من غير فصل ، وهذا كان رأي عين ، فمتى كانوا يصلون السنة ؟
ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال رضي الله عنه من الأذان قاموا كلهم
فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة .
وهذا الذي ذكرناه من أنه لا سنة قبلها هو مذهب مالك ،
وأحمد في المشهور عنه وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي .
إن لها سنة ، منهم من احتج أنها ظهر مقصورة فيثبت لها أحكام الظهر .
وهذه حجة ضعيفة جدا ، فإن الجمعة صلاة مستقلة بنفسها تخالف الظهر
في الجهر والعدد والخطبة والشروط المعتبرة لها
ومنهم من أثبت السنة لها هنا بالقياس على الظهر ، وهو أيضا قياس فاسد
فإن السنة ما كان ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل
أو سنة خلفائه الراشدين ، وليس في مسألتنا شيء من ذلك ، ولا يجوز
إثبات السنن في مثل هذا بالقياس ... ونظير هذا أن يشرع لصلاة العيد
سنة قبلها أو بعدها بالقياس .
ومنهم من احتج بما ذكره البخاري في " صحيحه "
فقال : باب : الصلاة قبل الجمعة وبعدها :
حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين ، وبعدها ركعتين
وبعد المغرب ركعتين في بيته ، وقبل العشاء ركعتين ، وكان لا يصلي
بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين .
وهذا لا حجة فيه ، ولم يُرد به البخاري إثبات السنة قبل الجمعة ،
وإنما مراده أنه هل ورد في الصلاة قبلها أو بعدها شيء ؟
ثم ذكر هذا الحديث ، أي أنه لم يرو عنه فعل السنة إلا بعدها ، ولم يرد قبلها شيء .
وهذا نظير ما فعل في كتاب العيدين ، فإنه قال :
باب الصلاة قبل العيد وبعدها . وقال أبو المعلى : سمعت سعيدا
عن ابن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد . ثم ذكر حديث سعيد بن جبير
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى
ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما ومعه بلال ... الحديث .
وذكر للعيد حديثا دالا على أنه لا تشرع الصلاة قبلها ولا بعدها ،
فدل على أن مراده من الجمعة كذلك"
انتهى باختصار من "زاد المعاد" (1417- 422) .