{ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا }
لا يحملنكم قلة محمد وكثرة المشركين
أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام .
{ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }
تهديد ووعيد لمن نقض الأيمان بعد توكيدها.
{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا }
هذه امرأة خرقاء كانت بمكة كلما غزلت شيئاً نقضته بعد إبرامه .
وقال مجاهد وقتادة : هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده .
وهذا القول : أرجح وأظهر ، سواء كان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا .
{ تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ }
{ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ }
أي : تحلفون للناس إذا كانوا أكثر منكم ليطمئنوا إليكم ،
فإذا أمكنكم الغدر بهم غدرتم ، فنهى اللّه عن ذلك لينبه بالأدنى على الأعلى .
{ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ }
كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز ،
فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك الذين هم أكثر وأعز فنهوا عن ذلك .
{ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ }
أي : بأمره إياكم بالوفاء بالعهد
{ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }
فيجازي كل عامل بعمله من خير وشر.
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ } : أفسدت , { غَزْلَهَا } : ما غزلته ,
{ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ } : إحكام له وبرم ,
{ أَنْكَاثًا } : حال , جمع : نكث وهو ما ينكث , أي : يحل إحكامه
وهي امرأة حمقاء من مكة كانت تغزل طوال يومها ثم تنقضه ,
{ تَتَّخِذُونَ } : حال من ضمير ,
{ تَكُونُوا } :أي : لا تكونوا مثلها في اتخاذكم
{ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا } : هو ما يدخل في الشيء وليس منه أي : فسادا أو خديعة ,
{ بَيْنَكُمْ } : بأن تنقضوها , { أَنْ } :أي : لأن , { تَكُونَ أُمَّةٌ } : جماعة ,
{ هِيَ أَرْبَىٰ } : أكثر , { مِنْ أُمَّةٍ } : وكانوا يحالفون الحلفاء ,
فإذا وجد أكثر منهم وأعز نقضوا حلف أولئك وحالفوهم
{ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ } : يختبركم , { اللَّهُ بِهِ } :أي : بما أمر به من الوفاء بالعهد
لينظر المطيع منكم والعاصي أو يكون أمة أربى لينظر أتفون أم لا ,
{ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }
في الدنيا من أمر العهد وغيره بأن يعذب الناكث ويثبت الوافي.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى :
{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا
تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ }
ذِكْره نَاهِيًا عِبَاده عَنْ نَقْضِ الْأَيْمَان بَعْد تَوْكِيدهَا , وَآمِرًا بِوَفَاءِ الْعُهُود ,
وَمُمَثِّلًا نَاقِض ذَلِكَ بِنَاقِضَةِ غَزْلهَا مِنْ بَعْد إِبْرَامه وَنَاكِثَته مِنْ بَعْد إِحْكَامه .
وَلَا تَكُونُوا أَيّهَا النَّاس فِي نَقْضِكُمْ أَيْمَانكُمْ بَعْد تَوْكِيدهَا
وَإِعْطَائِكُمْ اللَّه بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ الْعُهُود وَالْمَوَاثِيق .