والشركُ بالله أعظمُ الذنوب، وإذا سمعَت الجمادات شركًا به تعالى
فزِعَت عظمةً لله لانتِقاص حقِّه في الألوهية، قال - سبحانه -:
{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا }
قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -:
[ أي: يكادُ يكونُ ذلك عند سماعِهنَّ هذه المقالة من فجَرة بني آدم إعظامًا للربِّ وإجلالاً؛
لأنهم مخلوقاتٌ ومُؤسَّساتٌ على توحيده ].
ونطقَ طائرٌ بالإنكار على المُشركين من بني آدم لشِركهم بالله،
ودعاهم إلى التوحيد، قال الهُدهُد لسليمان - عليه السلام -:
{ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)
أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ }
ولما كان الهُدهُد داعيًا إلى الخير وعبادة الله وحده والسجود له؛
فالكلُّ من الملائكة والجمادات والنباتات والحيوانات نطقَ بتنزيه الله وتوحيده،
وسجدَ لله وأطاعَه، وحقيقٌ ببني آدم أن يكون كذلك.
وإذا حقَّق الإنسانُ العبوديةَ كان أشرفَ المخلوقات،
ومن أشركَ به كانت الدوابُّ أتمَّ منه، قال - سبحانه -:
{ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ }
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم،
ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمَعون،
وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه.
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه،
وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه،
المخلوقاتُ ذليلةٌ لله قانتةٌ له، ويحرُم أن يُدعَى شيءٌ منها من دون الله،
{ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
ومع قُنوتها لله فهي مُسخَّرةٌ لنا لنستعينَ بها على طاعته،
{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ }
ومن أطاعَ ربَّه رفعَه الله وأعلى مكانته.
ثم اعلموا أن الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل:
{ إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا }
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ
اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون:
أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين،
وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين،
واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان،
اللهم احقِن دماءَهم، واصرِف عنهم الفتن ما ظهر منها وما بطَن،
اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، واصرِف عنهم شرَّ شِرارهم،
واجعَل ديارَهم ديارَ أمنٍ وإيمانٍ يا قوي يا عزيز.
اللهم من أرادَنا أو أراد الإسلام أو المسلمين بسُوءٍ فأشغِله في نفسه،
واجعل كيدَه في نجره، والقِ الرُّعبَ في قلبِه.
{ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك،
ووفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك يا ذا الجلال والإكرام.
{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم،
ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
للإستماع إلي الخطبة أو مشاهدتها أو قراءتها




