الأخ / مصطفى آل حمد
{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين،
وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين،
أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
ضرب الأمثال من الوسائل التي جعلها الله تعالى مؤثرة في الناس :
أيها الأخوة الكرام : الله جلّ جلاله يقول :
{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }
{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }
{ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ }
كذلك يضرب الله الأمثال، آياتٌ كثيرة تذكر أن الله سبحانه وتعالى
من الوسائل التي جعلها مؤثرة في الناس أنه ضرب الأمثال ،
الآية الأولى : هي قوله تعالى:
{ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ
مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ
وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً
فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }
قبل شرح الآيات لا بدّ من توضيح معنى المثل :
أية صغيرة : إذا أصررت عليها انقلبت كبيرة .
وأية كبيرة : إذا استغفرت منها انقلبت صغيرة.
صغيرة تهلك، وكبيرة لا تهلك ، يبدو أن هناك تناقضاً ،
صغيرةٌ ينجو صاحبها ، صغيرةٌ يهلك صاحبها ، وكبيرةٌ تردي صاحبها.
من عادتي أن أوضح هذا النص بمثل :
طريق عريض يقدر عرضه بستين متراً ، عن يمينه وادٍ سحيق ،
وعن يساره وادٍ سحيق ، مركبة تمشي على هذا الطريق في الوسط ،
لو أن قائد المركبة حرفة المقود سنتيمتراً واحداً ، وثبت هذا الانحراف ،
واستمر هذا الانحراف ، هذه المركبة مصيرها إلى الوادي ،
على أن الانحراف سنتيمتراً واحداً ،
لكن المركبة التي يحرف فيها قائدها المقود تسعين درجة ،
والطريق عريض ، بإمكانه أن يعيد المقود إلى ما كان عليه ينجو ،
انحراف سنتيمتر أهلك إنساناً ، وانحراف تسعين درجة أنجاه.
أية صغيرة : إذا أصررت عليها انقلبت كبيرة .
وأية كبيرة : إذا استغفرت منها انقلبت صغيرة .
فهذا المثل يوضح هذا الحديث .
أحياناً يأتي الحديث متعلقاً بمجردات لقضايا معنوية ، لقضايا فكرية ،
قد تبدو شائكة ، عويصة ، غير مفهومة ، يأتي المثل فيوضحها .
ضرب الأمثال أسلوبٌ أصيلٌ في اللغة التي أختارها الله لقرآنه الكريم :
الأمثال مألوفة بالأدب العربي :
مثلاً : من يَهُنْ يسهل الهوان عليه ، كيف ؟قال : ما لجرح بميت إيلام ،
من يهن ، من يألف الهوان ، يسهل عليه أن تهينه دائماً،
إنسان مات مهما جرحته وبالغت في الجرح لا يتألم ، لأنه ميت ،
والله عز وجل وصف أهل الدنيا بأنهم :
{ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ }
[ سورة النحل الآية : 21 ]
{ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ }
في قبور شهواتهم، من يهن يسهل الهوان عليه ، ما لجرح بميت إيلام ،
إنسان مدح النبي عليه الصلاة والسلام قال :
[ إن تفق الأنام فأنت منهم ]
( إنما أنا بشر، أرضى كما يرْضى البشر، وأغْضَبُ كما يغضب البشر(
[ أخرجه مسلم عن أنس بن مالك ]
إن تفق الأنام ، تتفوق على كل البشر فأنت منهم ،
قال : فإن المسك بعض دم الغزال ، المسك يؤخذ من دم الغزال ،
محمد بشر وليس كالبشر، كيف ؟ احترنا ، بشرٌ وليس كالبشر ،
قال : فهو ياقوتة والناس كالحجر.
وإذا أراد الله نشـر فـضيلـةٍ طويت أتـاح لها لسـان حسودِ
لولا اشتعال النار فيمـا جاورت ما كان يُعرف طيب عرف العودِ
أسلوبٌ أصيلٌ في هذه اللغة التي أختارها الله لقرآنه الكريم ،
منهجٌ وأسلوبٌ أصيلٌ لهذه اللغة العربية التي جعلها الله جلّ جلاله لغة لكلامه.
الماء :سبب لنمو النبات وجعل الأرض ذات بهجة
{ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ }
ماء السماء : منعش، مسعد ، مفيد، ضروري ،
{ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ }
ماءٌ عذب زلال ، ماءٌ صافٍ ، ماءٌ مفيد ، ماءٌ منعش ،
{ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ }
عندما تسرب هذا الماء إلى باطن التربة ، في التربة بذور ،
نبتت هذه البذور وأصبحت نباتاً رائعاً ، أصبحت ذات بهجة ،
جبل أخضر جميل جداً، البستان جميل ، الحدائق جميلة ،
{ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ }
أي : هذا الماء أصبح سبباً لنمو النبات ،
أصبحت الأرضُ بهذا النبات ذات بهجة ، هذا النبات:
{ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ }